الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يتحرر المسلم من الذنوب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هل ترك الذنب تدريجيًا حرام في الإسلام؟ هناك ذنوب كنت أفعلها -وأدعو الله أن يثبتني- وقد استطعت التوقف عنها تدريجيًا لأسباب مختلفة، من ناحية اللباس الشرعي، كان ذلك بسبب الحالة المادية، فبدأت أغير ملابسي تدريجيًا بحسب مقدرتي، لكن هناك ذنوب صغيرة أخرى تعود إليّ كلما تركتها فجأة، التزمت فترة ثم رجعت مرة أخرى.

فهل من المسموح شرعًا أن أبدأ تدريجيًا، باستبدال الذنب بالطاعة حتى يتعلق قلبي بالطاعة، فأترك الذنب على المدى الطويل؟ وهل بإمكانكم توجيه النصائح للالتزام بترك الذنب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جنى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ابنتنا الغالية: كم يفرح الواحد منا حين يرى الشباب والفتيات قد أقبلوا على دينهم، تاركين تلك الذنوب، مقبلين على ربهم التواب الرحيم، وحين وقفت على رسالتك، وجدت أسئلة تحتاج إلى أجوبة، فإليك هذه الأجوبة مرتبة على النحو التالي:

أولًا: مسألة التدرج في ترك المعصية:
إذا كان يشق على الإنسان ترك المعصية دفعة واحدة، فتركها تدريجيًا أفضل من إقامته واستدامته عليها، وقد أجاز العلماء التدرج في ترك الذنب، مستدلين بتحريم الخمر، إذ كان تحريمها تدريجيًا، بشرط أن يبذل الإنسان وسعه في التوبة إلى الله تعالى، مع اعتقاده أن ما يفعله محرّم، حتى لا يكون مستحلاً للمعصية، فالتوبة هي الفاصل الأهم في هذا الأمر.

ثانيًا: الدعاء بترك الذنوب والثبات على الدين:
يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من الأدعية، ولا يشترط أن تكون مأثورة، ولكن الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أرجى للقبول، ومنها:

1. «اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم» (متفق عليه).
2. «اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل» (رواه مسلم).
3. «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى» (رواه مسلم).
4. «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (رواه أحمد).

ثالثًا: تغيير الملابس إلى الملابس الشرعية حسب القدرة المالية:
- هنيئًا لكِ هذه التوبة، وهذا الإقبال على الالتزام والحشمة.
- حاولي تغيير الملابس تدريجيًا، حتى لو بقطعة واحدة من لباس الحجاب، إذا كانت قدرتك المالية محدودة، ثم بعد ذلك يفتح الله عليكِ.
- إن شاء الله سترين كرم الله عليك بما أنك غيرتِ إلى الأحسن والأفضل، وأخذتِ بواجب الحجاب الشرعي، ولكِ في أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أسوة وقدوة.

رابعًا: نصائح للالتزام بترك الذنب:
قبل أن أجيب، أسأل الله تعالى أن يمنّ عليك بالتوبة النصوح والهداية، واعلمي -وفقك الله- أن المسلم إذا تاب إلى الله تعالى، غفر الله له ذنوبه مهما عظمت، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

والنصائح تكون كما يلي:
1. صحبة أهل الخير والصلاح، والمداومة على حلق الذكر، ومجالس العلم، والاجتهاد في دعاء الله وذكره، وسؤاله الثبات على الدين والحق.

2. استحضار ضرر المعصية في حياة المسلم، ومنها: حرمان العلم، وحرمان الرزق، والوحشة التي يشعر بها الإنسان في قلبه بينه وبين الله تعالى، والذل، لأن العز كله في طاعة الله، والذل في معصيته.

3. أنصحكِ بقراءة كتاب الإمام ابن القيم رحمه الله "الداء والدواء" فهو غني بالفوائد، وذكر فيه كثيرًا من آثار الذنوب والمعاصي على حياة الأفراد والمجتمعات.

4. الإكثار من قراءة القرآن الكريم مع التدبر، والمداومة على ذكر الله تعالى، والاجتهاد في نوافل الطاعات والعبادات، وسماع المحاضرات الدينية النافعة، التي ترقق القلوب وتزيدها إيمانًا وثباتًا.

وفي الختام: أسأل الله تعالى أن يثبتك على الإيمان، ويرزقك السعادة في الدنيا والآخرة، ويوفقك إلى زوج صالح، يعينك على طاعة الله تعالى، اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً