الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أصبر على الدعاء حتى أرى دعواتي تتحقق؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هل يُعدّ الإلحاح في الدعاء لأمر دنيوي مُعيَّن، لأكثر من عام رغم التعسير، إساءة أدب مع الله؟ وهل أنا على الطريق الصحيح؟ مع العلم:

• استخرت الله في مطلبي، وألهمني الله الدعاء به.
• الدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم.
• أتحرى أوقات الإجابة.
• أدعو يوميًا منذ عامين حتى الآن.
• تتعسر الأمور وتنقطع الأسباب الدنيوية تارة، وتتيسر تارة أخرى، لكن التعسير يكون شديدًا.
• أصبحت أدعو الله من باب العبادة والطلب معًا، وأجمع بين النيتين.
• أحسن الظن بالله، وأؤمن أنه سميع قريب مجيب الدعاء، وأنا في حالة الاضطرار، حيث انعدمت الأسباب، وأتذكر دائمًا قوله تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾.

في بداية دعائي منذ عامين، رأيت رؤى احتسبتها عند الله مبشّرة، وكنت أتذكرها فتمنحني دفعة للاستمرار.

تعلق قلبي ولساني بتلك الدعوات، وأعلم أن الله وفقني إليها، وتذوقت لذة المناجاة، وأقول: حاشاه سبحانه وتعالى أن يراني مضطرًا ومتمسكًا بالدعاء، وأحسن الظن به ثم يردني، فوعده حق.

كل المؤشرات وآراء من حولي تقول إن حدوث ما أطلبه مستحيل، حتى اتُّهمت بالجنون، لكني أقول في قرارة نفسي: إني دعوت الله.

أعلم أن الله لا يأتي إلا بالخير، ورجوت أن يكون مرادي متوافقًا مع مراد الله، وظني به أن يهيئ الأسباب ويدبر الأمر ليحقق دعائي في النهاية.

فترات الشدة والتعسير كانت تغير في داخلي شيئًا للأحسن، فأراجع نفسي، وأفكر أن ذنوبي ربما تمنع الإجابة، فأجاهد نفسي، وأستغفر، وأصلي على النبي ﷺ، وأحيانًا تفتر همتي، فأقول لنفسي: ربما التعسير ليُسمع الله صوتك ويردك إليه مرة أخرى.

أرجو من الله أن أرى دعواتي تتحقق رأي العين الآن، لكني لا أعجل؛ فقد صبرت، وأسأل الله أن يمدني بالصبر حتى أراها.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مهند حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولًا: الإلحاح في الدعاء هو المداومة والاستمرار عليه، وعدم اليأس من الاستجابة، حتى لو تأخرت؛ فهذا أمر مستحب، لما في الإلحاح من إظهار الضعف وشدة اللجوء إلى الله تعالى.

وأنتَ بالإلحاح في الدعاء قد جمعتَ بين عبادات عدة، منها التعلق بالله تعالى ودعاؤه، وترك دعاء غيره سبحانه وتعالى، وفيها استعمال اللسان باللهج بدعاء الرحمن، وانتظار فرج الله تعالى، وهو أيضًا عبادة.

وكان النبي ﷺ إذا دعا دعا ثلاثًا، وهذا هو الإلحاح في الدعاء، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "ومن أنفع الأدوية الإلحاح في الدعاء".

ودعاؤك وإلحاحك في أمر دنيوي لا يُعد اعتداءً في الدعاء، فالإنسان يسأل ربه خيري الدنيا والآخرة ما لم يكن في إثم أو قطيعة رحم، وأنت في هذا الدعاء والإلحاح على الطريق الصحيح -إن شاء الله تعالى-.

وأيضًا ما ذكرته في رسالتك من كونك استخرتَ الله تعالى في مطلبك، وأن الله تعالى ألهمك الدعاء، شيءٌ طيب، وكذلك أن تستخير ربك في الدعاء، فهذه سنة نبينا محمد ﷺ كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُعَلِّمُنا الاِسْتِخَارَةَ كَمَا يُعَلِّمُنا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ».

وكذلك كونك لا تدعو بإثم ولا قطيعة رحم، وأنك تتحرى أوقات الإجابة، وأنك دائم الدعاء كل يوم، فذلك كله من أسباب إجابة الدعاء.

ثانيًا: ما ذكرته من تعسير الأمور أحيانًا، وأن التعسير قد يكون شديدًا، كل ذلك هو حال الدنيا، فالإنسان فيها بين نعمةٍ يشكر الله تعالى عليها، وبين ابتلاءٍ يصبر عليه، وهذا ما أشار إليه نبينا الكريم ﷺ في حديث صهيب الرومي رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «عَجَبًا لِأَمْرِ المُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» [رواه مسلم].

ثالثًا: ما ذكرته من كونك تدعو الله تعالى جامعًا في النية بين عبادة السؤال وطلب الحاجة هو عين الصواب، فهذا يدل على همتك الطيبة، وكذلك إحسانك الظن بربك جل وعلا، فهذه منزلة من منازل ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، وقد قال رسول الله ﷺ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ».

رابعًا: ما دمتَ قد رأيتَ رؤيا صالحة، فاستمر على الدعاء والطلب، مع الأخذ بالأسباب الواقعية، وتذكر قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فإن الإجابة معه.

خامسًا: أخي الكريم، لا تيأس من إجابة الله تعالى الكريم المتعال، سميع الدعاء، عظيم الرجاء، وقد أمرنا الله تعالى بالدعاء ووعدنا بالإجابة، قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].

ودعاؤك والله لن يضيع، فإنك إما أن تجد حاجتك، أو يصرف الله عنك من السوء مثلها، أو يدخرها لك في الآخرة، كما جاء في حديث النبي ﷺ.

وأوصيك بالاستمرار في الدعاء، مع بذل أسباب الإجابة، وإزالة موانعها، ولا سيما اجتناب الحرام مأكلًا ومشربًا وملبسًا، ولا تستعجل في إجابة الدعاء؛ ففي الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: «يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي، فَيَدَعُ الدُّعَاءَ».

ومن الأدعية المستجابة دعوة ذي النون: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87]، فإنه ما دعا بها مسلم في شيء إلا استجاب الله له، كما رواه أحمد وصححه الألباني، مع إحسان الظن بالله تعالى.

سادسًا: ما ذكرته من كلام الناس لك بأن ما تطلبه مستحيل، ويتهمونك بالجنون، أنا لا أستطيع أن أحكم على هذه الفقرة لعدم معرفتي بما دعوتَ أو تدعو به؛ فإن كان الأمر الذي تدعو به ممكنًا، فاستمر في الدعاء، وإن كان مستحيلًا ولا يتوافق مع العقل والنقل، فتوقف فيه، وكما قلتُ لك: إني لا أعلم بما تدعو إليه.

وفي الأخير، أسأل الله تعالى أن يجيب دعاءك، وأن يعطيك سؤلك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً