الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفضت الخطاب لاختلاف التفكير والأخلاق بيننا، فهل أخطأت؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رفضت أكثر من ثلاثين خاطبًا، إما بسبب اختلافات في التفكير، أو لقلة التزامهم الديني، أو بسبب أخلاقهم، فلم يُعجبني أيٌّ منهم، وكلما صليت صلاة الاستخارة، ازداد خوفي، وانقبض صدري تجاه كل من تقدم لي.

مع العلم أنني -ولست أمدح نفسي- على قدر من الأخلاق، أما آخر من تقدم لخطبتي، فقد رفضته لأنني لم أشعر بالراحة تجاهه، ودعوت الله أن يُبعده عني، ولا أدري لماذا! حتى إنني استطعت الحصول على صورته، فزاد نفوري منه أكثر بعد رؤيته.

الآن، أمي تلومني وتقول: لقد رفضتِ الكثير، وستندمين مع مرور الأيام. فهل هي على حق، أم ماذا؟ كنت دائمًا أستخير الله، لكنني لا أشعر بالارتياح، فما معنى هذا؟ وهل ما قمت به يُعد حرامًا؟ أنا في حيرة من أمري.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان.

فلا يخفى على العاقل أن طريق الاختيار في مسائل المصير – كهذه التي تتعلق بالزواج وبناء الأسرة – محفوف بالتردد، ممتلئ بالأسئلة، ومفتوح على احتمالات مقلقة للبعض.

ولقد أحسنت حين لم تتخذي قراراتك إلا بعد استخارةٍ ومشورة، وحين لم تخضعي قلبك لرغبة عابرة أو ضغطٍ مجتمعي؛ فذلك من علامات النضج، لا مواضع اللوم، وما مضى من خُطّاب صرفك الله عنهم؛ فثقي أنه خير ساقه الله إليك في صورة رفض، فإن المرء لا يدرك دائمًا الخير في لحظته، لكن الأيام تظهر من حكمة الله ما يبرز حكمة أقداره، ولو بعد حين.

لكن مع هذا التسليم، لا بد من تصحيح التصور في أمورٍ جوهرية:

أولها: أن الاستخارة ليست مشروطة برؤية صالحة، أو راحة نفسية؛ فالناس يظنّون أن الاستخارة لا تكتمل إلا برؤيا بيضاء، أو انشراح صدر مفاجئ، وهذا غير لازم في الشرع.

الاستخارة في حقيقتها: توكيل الأمر إلى الله، والثقة باختياره، والمضيّ وفق تيسيره أو صرفه، والراحة النفسية قد تكون من الله، وقد تكون من النفس، وقد تكون من الشيطان إذا أراد صرفك عن الخير، أو دفعك للشك في الحق.

لذا لا تجعليها الفيصل في قرارك، ولكن انظري: هل تيسّر الأمر؟ هل ظهرت عيوب؟ هل وجدت ما يمنع بعقل راجح واستشارة متأنية؟

وثانيها: أن الزواج لا يقوم على التماثل الكامل، بل على التوافق الكافي، فمن تتوق إلى من يطابقها في كل ما تحب وتريد، إنما تتخيّل صورة مثالية لا توجد في واقع الحياة.

الزواج الناجح لا يشترط التطابق، بل يكفي فيه وجود الدين المرضي، والخلق الكريم، وقدرٍ من الصفات المشتركة التي تُقيم الألفة وتُبقي الاحترام.

فإن اجتمع لك في الرجل نصفُ ما تتمنّين – بعد الدين والخلق – فذاك رزق عظيم وخير لا يغفل؛ لأن الباقي يُبنى مع العشرة، ويكمل بالتفاهم، ويُقوّم مع الأيام، وقد قيل بحق: الزوج الصالح لا يولد من خيالك، بل يصنع بالرفق والصبر، والتفاهم الناضج.

ثالثًا: من الطبيعي أن تخاف الأم على ابنتها، خصوصًا مع تقدم العمر ومرور السنوات، فربما ترى الأمور بمنظار التجربة، والخوف من ما يسمى "فوات الفرصة"، وعليه فالأمر بالنسبة لوالدتك طبيعي.

رابعا: ليس صحيحًا أن تكرار الرفض دليل على خلل فيك، بل قد يكون علامة وعي ونضج، فأنتِ – كما تقولين – تتحرّين الأخلاق والدين، وتُصلّين الاستخارة، وتُحكّمين قلبك وعقلك، وهذه دلائل عقل راجح، وروح مؤمنة، لكن، إن لاحظت أن مشاعرك كثيرًا ما يُغلب عليها الخوف الغامض أو الانقباض غير المفسّر، وإن شعرت أن الخوف من الزواج بات يسبقك إلى كل خاطب، فقد يكون في الأمر وسوسة زائدة أو رُهاب مكتسب، يحتاج إلى حوار داخلي صادق، وربما جلسة راقية مع مستشارة نفسية مؤمنة، تساعدك على التمييز بين الحدس القلبي الصادق، والخوف المكتسب أو الوسواس الخفي.

وتذكّري دائمًا أن الزواج رزق، وما كتبَه الله لك لن يُفوّته عنك أحد، ولو اجتمع أهل الأرض على تأخيره، وقد يتأخر الخير، لا لأنه بعيد، بل لأنك تُعدّين له الآن، أو لأن الأفضل لم يأت بعد، أو لأن الله يُهيئ قلبك قبل أن يُدخلك بيتًا لا رجعة منه، فالله عز وجل في حلمه ولطفه، لا يعطي العبد شيئًا إلا وقد أعطاه قلبًا مستعدًا له، وإن تأخّر الموعد.

فلا تستسلمي لوسوسة الندم، بل استمري في دعائك وانتبهي لما ذكرناه لك قبل، واستشيري واستخيري فما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.

نسأل الله أن يوفقك لما يحبه وبرضاه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً