الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بالندم الشديد لأنني رفضت خاطبًا مناسبًا، فكيف أنساه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أبلغ من العمر 22 سنة، وقد تقدم لي العديد من الشباب للزواج، لكنني كنت أرفض لأسباب تافهة؛ لأنني لم أكن مستعدة للزواج حينها، ولا للابتعاد عن عائلتي.

مؤخرًا، تقدم لي شاب غني وكريم، لكنني رفضته لأسباب أندم عليها الآن، منها أنه قصير القامة قليلًا، ويسكن في بادية بعيدة عن أهلي، رغم أنه وعدني بأننا سننتقل إلى المدينة في السنوات القادمة.

كنت متخوفة، وشعرت بضيق في قلبي، وازداد الأمر سوءًا عندما قالت لي زوجة خالي إنها متأكدة أنه ليس فيه خير، وأن ماله ليس حلالًا؛ لأنها تشك في أنه يعمل مع عصابة دولية، كونه يعمل في بلد أوروبي، وقد استشارت مشعوذًا -أستغفر الله- وقال لها إنه لا خير فيه.

أنا لم أصدق كلام المشعوذ، لكني حزنت ولم أشعر بالراحة، صليت صلاة الاستخارة، ثم سافرت إلى عائلتي، وهناك تقبلت فكرة الزواج منه، وكنت أنوي إعطاءه فرصة، لكن للأسف، أخبرني أبي أنه تزوج من فتاة أخرى، ومنذ ذلك الحين، وأنا أشعر بندم شديد، وحزن، وقلق، وفقدان للأمل، بسبب رفضي له.

أقول لنفسي إنني ضيّعت شخصًا لا يُعوّض، بسبب مخاوفي، فما الحل لتقبّل هذا الأمر، ونسيان ذلك الشخص، واستعادة الأمل من جديد؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خديجة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختَنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكِ لصالح القول والعمل.

أختي الكريمة: يمرّ الإنسان في حياته بالعديد من التجارب التي ينبغي أن يتعلّم منها الدروس والعِبَر، ومن أهم دروس الحياة أن القرارات المصيرية كقرار الزواج يجب أن تُدرَس بعناية، وأن نُحيطها بالاهتمام الكبير، وأن يكون لدينا معايير واضحة وحقيقية لتحقيق مقاصد وأهداف الزواج؛ لأنها قرارات سترافقنا بقية العمر، فالخطأ فيها قد يترك أثرًا نفسيًا مؤلمًا يستمر طويلًا، بينما القرار المدروس بعقلٍ وهدوء يكون سببًا في السعادة والاطمئنان مهما كانت الظروف الأخرى.

أختي الفاضلة: ذكرتِ أن أسباب رفضك لذلك الشاب كانت تافهة، لكنكِ لم تريها كذلك إلا بعد فوات الفرصة؛ لأن معايير الشكل والمظهر كانت هي الأقوى في نظرك، وهذا ما جعل الندم يرافقكِ ويثقل عليكِ بالشعور بالحزن والقلق وفقدان الأمل، وما دام هذا الشعور يسيطر عليكِ، فسيبقى أثر التجربة مؤلمًا ومستمرًا.

ولكي تتجاوزي هذه الحالة، عليكِ أولًا أن تتحرّري من الإحساس بالندم لتخرجي من التجربة بنتائج إيجابية، وسأقدّم لكِ بعض النصائح العملية لتحقيق ذلك:

أولًا: ثقي تمامًا بقضاء الله وقدره، وبحُسن تدبيره لعباده، فربما ترين في أمرٍ ما سعادتكِ، بينما في علم الله المحيط أن فيه شقاءكِ، والله تعالى يقول: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

الإيمان بأن اختيار الله هو الخير، مع بذل الأسباب الممكنة في البحث والتعرف إلى أخلاق وسلوك من يتقدم لخطبتك، والاستخارة والدعاء، هو الطريق الحقيقي إلى تحقيق الرضا والطمأنينة في كلا الحالتين، فإن تمّ الزواج فبها ونعمت، وإن لم يتمّ، فثقي أن الله صرفه عنكِ لخيرٍ يعلمه.

ثانيًا: لا يمكن أن تكون السعادة في معصية الله، لذلك، فإن اللجوء إلى العرّافين والمشعوذين محرَّم شرعًا، وهو ضعف في الإيمان بالله وسوء ظنٍّ بتقديره، كما أنه بابٌ من أبواب الشرك -والعياذ بالله-، فتوبي إلى الله من ذلك، فكونكِ لم تصدّقي هذا المشعوذ فذلك خير، ولكنكِ رضيتِ بهذا الفعل من زوجة خالكِ، وهذه مشاركة ورضا بمعصية تحتاج إلى توبةٍ واستغفار، ثم بادري إلى نصح زوجة خالكِ بالتوبة كذلك، وألا تدلَّ أحدًا على هذا الطريق المنحرف، فالنبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: (من أتى عرّافًا، فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة) رواه مسلم، وتذكّري دائمًا أن طاعة الله والطمأنينة والاستقرار لا تُطلب بمعصيته.

ثالثًا: لا تبحثي عن الكمال في البشر، فالكمال لله وحده، فإن وجدتِ في الرجل الذي يتقدّم لخطبتكِ نقصًا في جانب، فابحثي عن الخير في جانبٍ آخر، خصوصًا عندما يكون النقص في جانبٍ هامشي لا يرتبط بالاستقرار الأسري، أو التوافق النفسي والروحي، فأهمّ ما في الرجل دينه وخلقه، فصاحب الدين سيتّقي الله فيكِ، وكريم الخلق سيكرمكِ ويحترمكِ، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).

أما الشكل والمظهر فهما أمران يزولان مع الزمن، بينما الخُلق والدين يبقيان، ويصنعان السعادة والاستقرار الحقيقي، وليكن في هذه التجربة درسٌ لكِ في الاختيارات القادمة -بإذن الله تعالى-.

أختي الفاضلة: تعلّمي من التجربة بدل أن تبقي أسيرتها، ولا تُكثري جلد الذات أو استرجاع الموقف بحزن، واعتبريها درسًا تعلّمتِ منه الكثير، ثم بادري إلى إشغال نفسكِ بما ينفعكِ: كعملٍ تطوعي، أو حفظ القرآن، تنمية ذاتكِ، واكتساب مهاراتٍ جديدة، فهذه الأعمال تفتح لكِ أبواب الأمل، وتبني بداخلكِ طمأنينةً حقيقية.

وأخيرًا: لا زلتِ في مقتبل العمر، وفرص الزواج قادمة -بإذن الله-، فإذا عرف من حولكِ خُلقكِ ودينكِ وسمعتكِ الطيبة، فإن الله سيهيّأ لكِ من يقدّركِ حقًّا ويكون سبب سعادتكِ، ثقي أن ما كتبه الله لكِ سيأتيكِ في وقته المناسب، فكوني شديدة الصلة بالله، كثيرة الدعاء والتضرّع إليه تعالى، مجتهدةً في كل ما يرتقي بعقلكِ وروحكِ.

وفّقكِ الله ويسّر أمركِ.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً