الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأخر زواجي وأجاهد نفسي في العادة السيئة، فما توجيهكم لي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا أستاذة عربية عمري 47 سنة، وقد تقدم لخطبتي الكثير، لكن لم يُكتب لي الزواج. أنا أصوم، وأقرأ القرآن، وأخاف الله كثيرًا، وضميري يؤنبني على أبسط الأمور، وأنا من عائلة محترمة والحمد لله، ولكن لدي شيء مخجل وهو العادة السرية؛ ليست دائمًا، فأحيانًا تمر شهور طويلة أتخلص منها، وأحيانًا كثيرة أشعر وكأنها إدمان، خاصة في أوقات التبويض.

أقسم بالله أنني حاربت نفسي كثيرًا، وبعض المرات أقع في شراكها ولا أجد حلًا، والرجال الذين يتعرفون إليّ معظمهم يتعرفون من أجل التسلية، في البداية أراهم جادين في موضوع الزواج، وبعد مدة يتغير كل شيء.

شيخنا: والله إني أخجل من هذا الكلام، لكن لم أجد من يساعدني على نفسي، والله حاربت نفسي كثيرًا، وأفرح عندما لا أفعل هذه العادة، لكن بمجرد أن أفعلها أندم كثيرًا، فلا أستطيع حتى أن أصلي أو أنظر في المرآة، ولم أجد دواءً، فهل من سبيل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Lolo حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -أختَنا وبنتَنا الفاضلةَ- في الموقعِ، ونشكرُ لكِ الاهتمامَ والحرصِ على السؤالِ، ونسألُ اللهَ أن يضعَ في طريقِك ابنَ الحلالِ الذي يعينُك على طاعةِ الكبيرِ المتعالِ.

ونحبُّ أن نؤكِّدَ لكِ أن هذه المشاعرَ التي دفعتْكِ للسؤالِ تدلُّ على أنكِ على خيرٍ وفي خيرٍ، فاستمرِّي في تلاوةِ القرآنِ والصومِ للهِ تباركَ وتعالى، وإذا وقعتِ في الخطأ فعجِّلي بالتوبةِ والرجوعِ إلى اللهِ -تباركَ وتعالى- ولا تقابلي ذلك بالتقصيرِ في الصلاةِ أو الطاعةِ للهِ تباركَ وتعالى.

واستعيني باللهِ تباركَ- وتعالى- وتجنَّبي أسبابَ الإثارةِ، وكلَّ ما يدعوكِ إلى فعلِ هذا العملِ الذي لا يرضي اللهَ -تباركَ وتعالى- وفي كلِّ الأحوالِ حافظي على صلواتِك وطاعاتِك للهِ تباركَ وتعالى، واعلمي أن الحسناتِ يُذهبن السيئاتِ.

والإنسانُ لكي يتفادَى هذه العادةَ السيئةَ، لا بد أن يستفيدَ من معرفةِ أسبابِها، ويبتعدَ عن كلِّ المثيراتِ، واجتهدي في أن تملئي وقتَك بما يرضي اللهَ -تباركَ وتعالى- أو بالمهاراتِ المفيدةِ، أو بوجودِك مع أهلِك ومن حولِك من الصديقاتِ الصالحاتِ، فإن هذا يشغلُ الإنسانَ، لأن الشيطانَ ينفردُ بالإنسانِ، فيدعوه إلى مثلِ هذه الأعمالِ التي لا ترضي اللهَ تباركَ وتعالى.

والذئبُ إنما يأكلُ من الغنمِ القاصيةِ، فكوني دائمًا مع أخواتِك الصالحاتِ، وكوني دائمًا مع محارمِك وأهلِك، وكوني دائمًا مشغولةً بما يقرِّبُ إلى اللهِ تباركَ وتعالى.

واحرصي على ألَّا تذهبي إلى الفراشِ إلَّا وأنتِ بحاجةٍ للنومِ، وانهضي أيضًا من فراشِك بسرعةٍ بعد الانتهاءِ من النومِ، واحرصي على أن تنامي على ذكرٍ وطاعةٍ للهِ تباركَ وتعالى.

واجتهدي في محاربةِ هذه المخالفةِ، وقد أعجبَنا قولُك إنك تفرحينَ عندما لا تفعليها، فهذا دليلٌ على حبِّك للطاعةِ، وهذا ممَّا تُؤجرينَ عليه، وإذا حصل وسقطتِ في هاويةِ هذه المعصيةِ، فينبغي أن تحوِّلي ندمَك إلى توبةٍ، وتُكثري من الحسناتِ الماحيةِ، وتُصلِّي، وتُقبلي على اللهِ تباركَ وتعالى،

والأمر ليس كما قلتِ أنتِ: "حتى إنِّي لا أستطيع أن أُصلِّي"، لا، الصلاةُ هي ممَّا يمحو الذنوبَ، فـ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، وهذه الآية نزلت في حق من وقع في مخالفة قريبة ممَّا تقعين فيه، فقد ورد «أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ‌إِنَّ ‌الْحَسَنَاتِ ‌يُذْهِبْنَ ‌السَّيِّئَاتِ} فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلِي هَذَا؟ قَالَ: لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ».

وورد أيضًا أنه جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ حَدًّا، قَالَ: فَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللَّهِ، قَالَ: «‌أَصَلَّيْتَ ‌مَعَنَا الصَّلَاةَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «قَدْ غُفِرَ لَكَ».

فالطاعاتُ للهِ -تباركَ وتعالى- ممَّا تمحو مثلَ هذه الذنوبِ، فـ «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ » كما جاء عن النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ.

ولذلك نحن نريد أن نقولَ: الإنسانَ يتفادَى الوقوعَ في المعصيةِ بتفادِي أسبابِ هذه العادةِ التي كما قلنا: بأن تحافظي على بصرِك، وألَّا تدخلي إلى المواقعَ المشبوهة، وتجنَّبي المثيراتِ، وابتعدي عن كلِّ ما يشغلُ بالك في هذا الاتجاهِ، وبعد ذلك إذا ضعفَ الإنسانُ ووقعَ، فينبغي أن تعجِّلي بالتوبةِ، واصدقِي فيها مع اللهِ -تباركَ وتعالى- واستعيني باللهِ، واحرصي على الإكثارِ من الحسناتِ الماحيةِ.

أمَّا بالنسبةِ للرجالِ الذين يطرقونَ بابَك، فحاولي دائمًا أن تضعي لهم حدودًا منذ البدايةِ، فإذا كان الواحد منهم جادًّا فأكملي معه المشوار، وعليه أن يأتي البيوت من أبوابها، بأن يتقدم لأهلك بغرض الزواج، ودائمًا نحن نريدُ للمرأةِ أن يكونَ محارمُها إلى جوارِها، وممَّا يتبيَّنُ به صدقُ الخاطبِ أن نقولَ له: "كلِّم خالي، كلِّم والدي، كلِّم أخي"، هنا يتجلَّى جدُّه من هزله، فإن كان جادًّا فإنَّه سيُقْدِم، وإن لم يكن جادًا فلا تضيعي وقتِك، وأغلقي باب التواصل معه، فكثير منهم -كما تبين لك- عابثون، وهم في الحقيقة ذئاب يحاولون جر الأخت العفيفة إلى ما لا يرضي الله تعالى.

ننصحك بالدخول في مجتمعات النساء المتدينة، في المحاضرات والدروس الدينية، ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، وفي الجمعيات الخيرية التطوعية، فكثير من الأخوات الصالحات في هذه الأماكن، يبحثن لإخوانهن وأقاربهن عن فتيات صالحات، فالانخراط في هذه الأنشطة يمكن أن يكون سبيلًا للتعارف مع الداعيات والطالبات، ويمكن أن يكون بابًا للزواج، وقد حدث ذلك كثيرًا.

نسألُ اللهَ -تباركَ وتعالى- أن يضعَ في طريقِك مَن يُسعدُك، وأن يُقدِّرَ لكِ الخيرَ ثم يُرضيكِ به، وأن يتوبَ علينا وعليكِ، وشكرًا لكِ على التواصلِ مع موقعِك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً