الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نادمة على ردود أفعالي تجاه إساءة أخواتي لي، فكيف أتوب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف أتوب من الذنوب التي ارتكبتها؟ هل يكفي أن أستغفر الله، أم ماذا يجب أن أفعل؟

لقد كنت أصبر على أذى أخواتي، لكنني لم أعد أستطيع التحمل، فبدأت أُظهر عيوبهن وأخطاءهن بالكلام أمامهن وأمام أمي وأخواتي، أشعر أنني أسأت إليهن كثيرًا، رغم ما بدر منهن من إساءة لي.

ماذا أفعل؟ هل سيسامحني الله؟
أنا لا أستطيع الاعتذار منهن، فقد تسببن لي بالكثير من الضرر، وأثّرن على نفسيتي بشكل كبير، ومع ذلك، أعتقد أنني قد أكون سببت لهن ضررًا أكبر، لكنني لا أستطيع الاعتذار؛ لأنني متأكدة أنهن لن يقبلنه.

كيف أتوب إلى الله، وأتجنب أذاهن، وأمضي في حياتي دون أن أشعر بالذنب؟

أنا أتألم من الداخل كل يوم!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نادمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أتفهم ما تمرين به أختي السائلة من مشاعر ضيقٍ، وتأنيب ضميرٍ؛ بسبب ما حصل بينك وبين أخواتك، وأقول لك: بدايةً التوبة بابها واسعٌ، والله عز وجل يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل، وقد وعد بالتوبة على من تاب بصدقٍ مهما عظمت ذنوبه، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].

بداية: أودُّ أن أُذكِّركِ بأنَّ التوبة ليست مجرد قول: "أستغفر الله"، بل لها شروط ذكرها العلماء: الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه، وردّ الحقوق لأهلها إن كانت متعلقة بالناس، وما صدر منك من كشف لعيوب أخواتك؛ يدخل في حقوق العباد. فينبغي أن تتحللي منهنَّ إن وجدتِ لذلك سبيلاً، أما إن شعرتِ أنكِ لا تستطيعين الاعتذار المباشر، أو خشيتِ أن يترتب على الاعتذار مزيدًا من الأذى أو القطيعة؛ فاكتفي بإصلاح العلاقة بالأفعال الطيبة، والتوقف عن ذكر عيوبهنَّ، فهذا بحدِّ ذاته اعتذارٌ عمليٌ بلسان الحال لا المقال، وقد يكون أبلغ أثرًا عند الله وعندهن، والثناء عليهن عند من ذكرتهن بسوء عندهن، وأكثري لهنَّ من الدعاء والاستغفار، وقابلي إساءتهنَّ بالإحسان بقدر استطاعتك، فالله تعالى مطلع على صدق نيتك، قال تعالى: (إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا) سورة الأنفال، آية 70.

ثانيًا: لا تجعلي الشيطان يُثقل صدركِ باليأس من رحمة الله تعالى، أو التثبيط عن طلب عفوِهِ ومغفرتهِ؛ فإن الله تعالى أرحم بكِ من نفسك، وقد قال النبي ﷺ: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (رواه ابن ماجه)، فاجعلي يقينكِ أن ذنبك يُمحى بالتوبة النصوح، وبالموازنة بكثرة الحسنات، كالذكر، وقراءة القرآن، والصدقة، وصلة الرحم بقدر الاستطاعة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: 114].

ثالثا: حاولي أن تعالجي سبب الألم الذي في داخلك: إذا كان أذى أخواتك قد أثّر على نفسيتك؛ فاعملي على بناء ذاتك، وتحصين قلبك بالذكر، والدعاء، والصبر، ولا تجعلي ردة فعلكِ على الإساءة إساءةً مضاعفة، بل اجعلي موقفك عملاً صالحاً تتقربين به إلى الله تعالى، وتذكري أن بينكِ وبينهنَّ رحمًا أمر الله تعالى بوصلها والإحسان إليها، قول الله تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34].

رابعًا: أما الجانب العملي مع أخواتك، فاعلمي أنَّ برّهن وصلة الرحم عبادة عظيمة تتقربين بها إلى الله تعالى؛ حتى وإن قصرنَ في حقِّكِ، ولا يشترط أن يكون التعامل مباشرًا، أو بالاعتذار الصريح الذي قد يزيد المشكلات، بل يمكنك اتباع بعص الخطوات، مثل:

1. تخفيف الاحتكاك المباشر: بحيث تقلّلين من الجلسات التي تكثر فيها النقاشات والجدال، وحاولي أن تختاري أوقاتًا مناسبة للتواصل والزيارات.

2. التعبير بالخير فقط: إذا ذكرتِ إحداهنَّ أمام أمكِ أو غيرها، فاذكري ما فيها من خيرٍ، أو اكتفي بالصمت، فهذا يطهِّر قلبكِ، ويُذهب الغلَّ.

3. استخدمي أسلوب الإحسان غير المباشر: قدّمي لهنَّ معروفًا دون كلامٍ؛ كرسالة دعاء، أو مشاركة شيءٍ نافعٍ، أو هديةٍ يسيرة، فالقلوب تُليّن بالإحسان، والناس تحبُّ مَن يحسن إليها.

4. الدعاء لهنَّ في ظهر الغيب: فهذا يشرح صدركِ، ويزيل أثر الغضب من قلبكِ، وفيه أجر عظيم، قال ﷺ: «دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة» رواه مسلم.

5. التعوّد على ضبط اللسان: اجعلي لنفسك قاعدة: "إن لم أجد كلمة خير؛ فالصمت عبادة"، ومع التكرار يصبح عادة لكِ فتتجنَّبين كثيرًا من المشاكل.

أوصيكِ ختامًا: أن تنطلقي في حياتك بيقين أن الله تعالى يقبل توبتك ويعوّضك خيرًا، ولا تسمحي للشيطان أن يحاصرك بالشعور بالذنب والهمّ، بل اجعلي ذنبك دافعًا لمزيد من القرب منه سبحانه، وحسن الخلق مع أهلك.

وفقكِ الله تعالى للتوبة الصادقة، وجعل ما مررتِ به بابًا لرفعة درجتك، وأصلح ذات بينك وبين أخواتك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً