الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اقترب عقد قراني وما زال يؤرقني طول خطيبي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني من الحيرة، فقد اقترب موعد عقد قراني من خاطبي، وما زال يؤرقني موضوع طوله (165 سم)، حاولت الاعتياد عليه وتقبّله، لكنني أحيانًا أشعر بالاستياء.

مع العلم أنه شخص كفء، وذو خُلق ودين، ويتمتع بالعديد من الإيجابيات.

أفيدوني، جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بداية: نسأل الله جل وعلا أن يبارك لكما وعليكما في هذا الزواج الذي اقترب، فهذه نعمة كبيرة، لا سيّما إذا تيسّر للفتاة أن يتقدّم إليها شخص ذو خلق ودين، وفي سنٍ مبكرة نسبيًا مقارنةً بأعمار الزواج في بلدها.

فاحمدي الله تعالى على هذه النعمة، واحرصي على أن تحسني الاستعداد لها بالدورات، والقراءات الشرعية، والمطالعات التثقيفية، لتكوني خير زوجة، ثم خير أم لأبنائكما في المستقبل.

أما استشارتكِ بخصوص طول من تقدّم لخطبتكِ:
فالذي يظهر من السؤال أن طوله أقل من أطوال غيره، لكنه لا يصل إلى درجة القصر الشاذ الذي قد يعد عيبًا واضحًا في المجتمعات، ومسألة مقارنة الطول بين الزوجين، من المسائل التي لم يظهر الكلام عنها والتفكير فيها إلا في الأزمنة القريبة، ولم يكن الناس يتناولونها فيما مضى من الزمان؛ ولعل باعث هذا الاهتمام بأمر الطول ومقارناته، هو جزء من ثقافة هذه الحضارة الغربية المادية المعاصرة، التي أصبح نظرها إلى الجسد والمظهر يفوق نظرها إلى الروح والمخبر.

وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن معيار النظر الصحيح بقوله: "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"، وهو المعيار الذي ينبغي أن ننظر به إلى الناس، ونحدّد على أساسه درجة الارتباط بهم، صداقةً أو زواجًا أو تعاملًا.

وبالاطلاع على عدد من الدراسات العالمية في تأثير موضوع طول الزوجين على استقرار الزواج، أكّدت هذه الدراسات ضعف تأثير هذه المسألة، وأن كثيرًا منها لا قيمة له في مقابل الأمور الأساسية المتعلقة بجوهر الحياة الزوجية.

ومثل هذا التردّد الذي يصيب الإنسان قبل عقد القران، للشيطان فيه حظٌ كبير؛ وذلك بهدف تثبيط أحد الطرفين أو كليهما عن الإقدام على الزواج، إذ إن الزواج وبناء الأسر والبيوت المسلمة من الأمور التي يكرهها الشيطان، ويسعى إلى هدمها وتخريبها.

ولهذا ورد في الحديث، أن الشيطان الذي يفرّق بين الرجل وزوجته هو من أكثر الشياطين قربًا إلى إبليس، وأحبّهم إليه، ومن صور هذا التخريب للبيوت: أن يمنع نشأتها من الأساس، بأن يُفسد الخطوبات، ويدخل في نفس كل طرف ما يبغِّضه ويكرّهه في الطرف الآخر.

وسؤالكم -أيتها الأخت الكريمة- هو عن اختيار قد وقع بعد نظر وتأمّل، وعن خطبة قد تمت، وأنتما مقبلان على عقد القران، والعاقل من الطرفين سواء من جانب الزوج أو الزوجة، لا يُقدِم على فسخ الخطبة إلا إذا وجد سبباً واضحاً بيّناً، وإلا فإن ذلك قد يدخل الحرج على الأهل، أو يثير الشكوك في الطرف الآخر.

ولذلك: فإن هذه الصفة، حتى وإن كان لها وزن، فإن هذا الوزن يتلاشى بعد أن ينتقل الناس إلى الخطوات التالية، التي تتضمن توثيق عقد القران والدخول في الزواج، فلا يُلتفت إلى مثل هذه الأمور الثانوية، لا سيما وقد وصلتما -بحمد الله- إلى هذه المرحلة المتقدّمة.

واعلمي أن التنقيب عن هذه الصفات الثانوية، إن حصل من طرفك تجاه الخاطب؛ فإن الشيطان أيضًا قادر على أن يفتح له من صفات النقص الثانوية لديك ما ينفِّره منك، إذ لا أحد فينا كامل.

فاحرصي على أن تُغلقي باب الوسواس في هذا الأمر إغلاقًا تامًا، بحيث لا تسمحي للشيطان أن يتسلّل إليك عبر هذا المدخل، واحذري بعد الزواج أن تذكري هذا الأمر له، ولو على سبيل المزاح؛ فإنه قد يُحدث في نفس الزوج أثرًا سلبيًّا ربما يعكِّر عليكما صفو العلاقة.

وبما أنك ذكرت أن في هذا الرجل من الصفات الحسنة والصالحة ما فيه؛ فإن هذه الصفات هي المعيار الأساسي عند العقلاء، كما قال الشاعر:
وكلُّ عيبٍ فإن الدينَ يُجبرهُ
وما لكسرِ قناةِ الدينِ جُبرانُ

واعلمي أن ما قسمه الله تعالى لك من هذه الأوصاف هو خير كثير، وأن الرضا بما قسم الله تعالى للإنسان درجة من درجات القناعة، التي تكون سببًا من أسباب سعادته الزوجية والنفسية، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس".

وغالبًا ما يحصل مثل هذا التردد إذا كانت المخطوبة تنظر إلى كلام الناس، وتعطيه أكبر من حجمه، فابتعدي عن الالتفات إلى ذلك؛ مما ينكّد عليكِ سعادتك، واجعلي الميزان الأصح هو الميزان الشرعي، فإن لم تصلي إلى هذه الدرجة، فلا أقل من الرضا النفسي، واستحضار جوانب الخير والصلاح والمدح في هذا الشخص؛ حتى تغمر هذه الصفاتُ ما سواها.

واحمدي الله تعالى أن جعل عيوب خاطبك في سنتيمترات، لا في أخلاقٍ ومعتقدات.

أعاذكما الله من وسوسات الشيطان، ويسَّر لكما عقد القِران، وجعل بيتكما غامرًا بالمودة والرحمة والإيمان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً