الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقاربي يماطلون في رد الدَّين، فكيف أعتذر لهم دون إحراج؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحيانًا يطلب مني أحد أقاربي من ذوي الأرحام أن أُقرِضه مالًا، ويقول لي: إن السداد سيكون في عشيّة ذلك اليوم مثلًا، لكنه لا يُعيد الدين في الوقت المحدد، ولا يُحدّثني عن سبب تأخر سداده.

أنا أشعر بالخجل من ردّ من يطلب مني المال من الأقارب، مثل العمّ، فماذا أفعل حتى أتغلّب على هذا الخجل وأُطالبه بالسداد؟ وماذا أجيب مستقبلًا حتى لا أُقرضهم، دون أن أكذب في الوقت نفسه؟

بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حمزة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

حيّاك الله وشرح صدرك، وبارك في مالك وعمرك، ونسأل الله تعالى بجوده وكرمه أن يرزقك الحكمة في قراراتك، ويعينك على صلة رحمك على الوجه الذي يرضيه.

ما ذكرته من الحرج في مطالبة أقاربك بسداد ما اقترضوه منك، هو أمر شائع بين الأقارب، خاصة إذا كان في النفس حياء ورغبة في حفظ المودة، لكن من حقّك أن تحافظ على مالك، ومن الحكمة أن تفعل ذلك بلطفٍ وبدون قطيعة، خاصة وأن التعاملات المالية مدعاة في كثير من الأحيان إلى إفساد المودات، والقطيعة بين الأرحام والأقارب.

وهنا أحب أن أضع بين يديك بعض النقاط المهمة التي تعينك على تجاوز هذا الحرج:

أولاً: تذكّر أن المطالبة بحقك ليست سوء خلق، والمطالبة بردّ الدين ليست من سوء المعاشرة، ولا من قطيعة الرحم، بل هي حقٌّ أذن به الشرع، قال النبي ﷺ: "مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ" (رواه البخاري ومسلم)، والمطل هو: تأخير السداد مع القدرة عليه، فالمطالبة بالحق عدلٌ، والسكوت عن المطالبة أحيانًا قد يزيد المشكلة، ويجعلهم يعتادون التأخير أو ينسون، أو يتناسون، مستغلين بذلك حياء المقرِض وسكوته عن حقه.

ثانياً: استخدم أسلوباً لطيفاً للمطالبة، حيث يمكنك التذكير بطريقة ودّية، مثل: "تذكيراً فقط بالدين الذي اتفقنا على سداده في اليوم الفلاني"، أو برسالة قصيرة: "أحتاج المبلغ الذي أقرضتكم إياه لقضاء بعض الالتزامات" هذا أسلوب يحفظ حقك، ويبعد عنك الحرج، أو الطلب من صديق مقرب إبلاغ المستدين بحاجتك للمبلغ.

ثالثاً: خطط مسبقاً قبل الإقراض: فمن الحكمة أن تحدد منذ البداية موقفك من الإقراض، وحالة الشخص المستدين منك، هل لديه القدرة للقضاء، أم إنه يتخذ الدين وسيلة لأخذ أموال الناس دون إرجاعها، وإذا لم يكن مناسباً لك الإقراض في ذلك الوقت، فيمكنك الاعتذار بلطف ودون كذب، أو أن تُدينه فقط جزءًا من المبلغ، وتعتذر عن باقي المبلغ لعدم توفره لديك.

رابعاً: تعوّد على قول كلمة "لا" بهدوء، فالخجل طبيعي، لكن التمرّن على الرفض بأسلوب مهذّب مهم لحماية نفسك، ويمكنك أن تتذكر أن المال أمانة عندك، وإضاعته بغير قدرة على استرداده قد يجلب عليك ضيقاً أو مشكلات أخرى، أو يدخلك في وساوس وهموم نفسية أنت في غنى عنها، نظرًا لعدم قدرتك على المتابعة لأموالك التي أقرضتها، فمن الأريح لك ابتداءً أن تقول لا، وأنت خير من يقدر المصلحة في ذلك.

خامساً: اجعل الإقراض مقيداً بما تستطيع تحمّله، فإن اضطررت للإقراض، فلا تجعله فوق طاقتك، بل قدّم فقط ما يمكنك الاستغناء عنه مؤقتاً، حتى لو تأخر سداده لا يتسبب لك بضرر نفسي أو مالي.

أخي الكريم: أنت مأجور على نيتك في صلة رحمك ومساعدة أقاربك، لكن تذكر أن الله تعالى لا يكلّف نفساً إلا وسعها، فحافظ على توازنك بين البرّ وصيانة حقّك، واجتهد أن يكون اعتذارك مهذباً وتذكيرك لطيفاً، وبذلك تحفظ مالك ومودّة رحمك.

نسأل الله تعالى أن يرزقك الحكمة في القول والعمل، وأن يبارك لك في رزقك، ويجعل ما تنفقه في موازين حسناتك، ويصلح ما بينك وبين أقاربك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً