الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعلقت بالكرة وأهملت دراستي ففشلت في كلتيهما، أرشدوني!

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من إحباط وحزن شديدين جدًا، والسبب هو فشلي اجتماعيًا، ودراسيًا، ورياضيًا؛ فقد كان لدي حلم أن أصبح لاعبًا كبيرًا في بلدي، وفشلت في ذلك، ومن أجل كرة القدم ضحيت بالدراسة، والعلاقات الاجتماعية، ففشلت فيهم جميعًا.

تركت الجامعة منذ السنة الأولى، وفصلت منها بسبب الغياب المتكرر، قد يكون فشلي في الكرة لأني لم أتطور كثيرًا، نعم، كنت أمارس كرة القدم يوميًا، لكني لم أكن أهتم بتطوير اللعب والقوة، وهكذا أضعت في كرة القدم زمنًا طويلاً، ولم أنجز فيها شيئًا.

الأمر الآخر: لم أنتبه لأهمية العلاقات الاجتماعية، ولم أكن أعرف كيف أتواصل مع الناس، أو أتعامل معهم.

قد تكون أسباب فشلي في الحياة كثيرة، وهي الإباحية، والاستمناء، والرهاب الشديد، والاكتئاب، والقلق، والعزلة الطويلة، والأفكار والمعتقدات الخاطئة، والتسويف.

الآن أفكر في الدراسة من جديد، ولعب كرة القدم على مستوى الأندية كلاعب هاوٍ؛ بسبب حبي للكرة، وكتحدٍ لنفسي، ومن أجل تكوين شبكة من العلاقات مع متدينين، ومفكرين، ورياضيين، وسياسيين.

ولكن كلما تذكرت ذلك شعرت بإحباط شديد جدًا، مع العلم أن هذه المشاعر شعرت بها لمدة طويلة قبل 12 سنةً، واختفت فترة طويلة، والآن ومن بعد فترة طويلة رجعت لنفس شعور الإحباط والقلق.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله أن يفرّج همّك، ويشرح صدرك، ويهديك إلى ما فيه الخير في دينك ودنياك، أقدّر مشاعرك، وأتفهم تمامًا ما تمر به من إحباط وحزن بسبب ما تعتبره إخفاقات في حياتك.

إن الشعور بالفشل أمر طبيعي يمر به كل إنسان، ولكن المهم هو كيفية التعامل معه، وتحويله إلى دافع للتغيير والنهوض من جديد.

أولاً: دعنا نثق بحكمة الله ورحمته، يقول الله تعالى: "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (سورة البقرة: 216)، قد يكون ما مررت به من إخفاقات هو خير لك، لأن الله يهيئك لشيء أعظم وأفضل مما كنت تتوقعه.

ثانيًا: عليك بالصبر والاحتساب، يقول النبي ﷺ: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" (رواه مسلم)، والصبر على ما فاتك هو مفتاح للخير القادم؛ فكل ما يحدث في حياتنا هو اختبار من الله.

ثالثًا: إذا كنت تشعر أن بعض أفعالك السابقة مثل التسويف، أو العادات السيئة قد أثرت على حياتك، فاعلم أن باب التوبة مفتوح دائمًا، يقول الله تعالى: "إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ" (سورة البقرة: 222)، فالتوبة ليست فقط عن الذنوب، بل هي أيضًا عن الأخطاء في حق النفس، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا"، فمراجعة النفس بصدق هي أول خطوة نحو التغيير.

رابعًا: بعض الخطوات العملية للنهوض من جديد:
• حدد أهدافك بوضوح: هل تريد العودة للدراسة؟ هل ترغب في ممارسة كرة القدم كهواية؟ اكتب أهدافك ورتبها حسب الأهمية.
• ضع خطةً زمنيةً لكل هدف، وابدأ بخطوات صغيرة.
• حاول الابتعاد عن العادات التي ذكرتها مثل: التسويف، والعزلة، واستبدلهما بعادات إيجابية مثل القراءة، وممارسة الرياضة، أو تعلم مهارات جديدة.
• إذا كنت تعاني من الإدمان على الإباحية أو الاستمناء، فاستعن بالله، وابتعد عن المثيرات، واملأ وقتك بما ينفعك.
• ابحث عن برامج تعليمية تناسب وضعك الحالي، سواءً كانت جامعيةً أو دورات تدريبية.
• لا تخجل من البدء من جديد؛ فالكثير من الناجحين بدأوا متأخرين.
• مارس كرة القدم كهواية، وركز على تطوير مهاراتك تدريجيًا.
• انضم إلى فرق محلية، أو أندية للهواة؛ فهذا سيساعدك على بناء علاقات اجتماعية جديدة.
• ابدأ بالتواصل مع أشخاص يشاركونك اهتماماتك.
• شارك في أنشطة مجتمعية، أو تطوعية، فهذا سيعزز من ثقتك بنفسك.
• الإحباط هو شعور طبيعي عند مواجهة الفشل، لكنه يصبح مشكلةً إذا استمر لفترة طويلة، حاول أن ترى الفشل كفرصة للتعلم والنمو.
• استبدل الأفكار السلبية بأخرى إيجابية، على سبيل المثال، بدلًا من قول "أنا فاشل"، قل "لقد تعلمت من أخطائي وسأبدأ من جديد".
• ذكر نفسك بآيات القرآن التي تبث الأمل، مثل قوله تعالى: "فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا" (سورة الشرح: 6).
• حافظ على صلاتك، وذكر الله؛ فهما مصدر للراحة النفسية.
• اهتم بصحتك الجسدية من خلال الرياضة، والتغذية السليمة.
• احذف كل المواد الإباحية من أجهزتك.
• ضع برامج لحجب المواقع الإباحية.
• ابتعد عن الأماكن أو الأوقات التي كنت تشاهد فيها هذه المواد.

تذكر أن ديننا يحرم كل ما يؤدي إلى الفاحشة، أو يثير الشهوات بغير حق، يقول الله تعالى: "وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا" (سورة الإسراء: 32)، ومشاهدة الإباحية هي من مقدمات الفاحشة التي تفسد القلب، وتضعف الإيمان، والله تعالى أمرنا بحفظ أبصارنا، فقال:"قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ" (سورة النور: 30)، وغض البصر هو وسيلة لحفظ القلب من التعلق بالمحرمات.

ولا بد من مجاهدة النفس، وقديمًا قال الإمام البوصيري في بردته: "والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على حب الرضاع، وإن تفطمه ينفطم"، فالنفس تحتاج إلى مجاهدة مستمرة، وكلما دربتها على الطاعة، أصبحت أقوى في مواجهة الشهوات "ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه"، وإذا تركت الإباحية لله، فإن الله سيعوضك براحة القلب وصفاء النفس.

يقول الشاعر:
إذا المرءُ لم يَغْلِبْ هواهُ أقامهُ *** بمذلَّةٍ في موقفِ الذُّلِّ يُحْصَرُ

هذا البيت يذكّرنا بأن الانتصار على الهوى هو مفتاح العزة والكرامة.

أخي العزيز: تذكر أن الحياة مليئة بالتحديات، ولكن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأنت قادر -بإذن الله- على تجاوز هذه المرحلة، والبدء من جديد.

أسأل الله أن يرزقك القوة والصبر، وأن يفتح لك أبواب الخير والنجاح، والله الموفق والهادي.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً