السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في ظلّ الخلافات الشديدة بين أبي وأمي وبيننا نحن الأبناء، ومع وجود قضايا ومشكلات تجعل التواصل صعبًا ومؤلمًا أحيانًا، كيف أستطيع – رغم كل ذلك – أن أبرّ والديَّ وأصل رحمي مع مراعاة حالتي النفسية؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في ظلّ الخلافات الشديدة بين أبي وأمي وبيننا نحن الأبناء، ومع وجود قضايا ومشكلات تجعل التواصل صعبًا ومؤلمًا أحيانًا، كيف أستطيع – رغم كل ذلك – أن أبرّ والديَّ وأصل رحمي مع مراعاة حالتي النفسية؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
حياك الله -ابننا الكريم-، وأسأل الله أن ييسر أمرك، ويصلح حالك، وحال أسرتك، وأن يرزقك الحكمة والصبر في التعامل مع هذه الظروف الصعبة.
إن بر الوالدين وصلة الرحم من أعظم القربات إلى الله، ولكننا ندرك أن التحديات النفسية والاجتماعية قد تجعل هذا الأمر صعبًا في بعض الأحيان.
دعنا -ولدنا الحبيب- ننظر ما هي التصرفات المناسبة التي قد تساعدك في هذا الموقف.
أولًا: بر الوالدين واجب شرعي مهما كانت الظروف:
قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23]، وبر الوالدين لا يعني الموافقة على كل أفعالهم، أو السكوت عن الخطأ، ولكنه يعني الإحسان إليهم بالقول والعمل، والصبر على أذاهم إن وجد، مع محاولة الإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة.
ثانيًا: الإسلام دين يوازن بين الحقوق والواجبات:
- إذا كان هناك ضرر نفسي أو جسدي كبير عليك بسبب هذه الخلافات؛ فمن حقك أن تحمي نفسك، ولكن دون أن تقطع صلتك بوالدك، قال النبي ﷺ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» [رواه ابن ماجه]، وبالرغم من ذلك فإن صلة الرحم عبادة عظيمة: قال النبي ﷺ: «مَنْ سَرَّهُ (أَحَبَّ) أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» [رواه البخاري].
- صلة الرحم لا تعني بالضرورة التواجد الدائم أو الدخول معهم في خلافات؛ بل يمكن أن تكون بالكلمة الطيبة، والدعاء، والزيارة عند الإمكان، وفي هذه الحالة يكون الصبر في التعامل مع الوالدين والأقارب هو مفتاح لحل الكثير من المشكلات، خاصة إذا اقترن بالحكمة واللين، قال الحسن البصري رحمه الله: "لَيْسَ حُسْنُ الْجِوَارِ كَفُّ الْأَذَى عَنِ الْجَارِ، وَلَكِنْ حُسْنُ الْجِوَارِ الصَّبْرُ عَلَى الْأَذَى مِنَ الْجَارِ".
- تحمُّل الأذى من الأقارب -خاصةً الوالدين- هو جزء من البر والصلة، يقول الإمام الشافعي:
إِذَا سَبَّنِي نَذْلٌ تَزَايَدْتُ رِفْعَةً *** وَمَا الْعَيْب إِلَّا أَنْ أَكُونَ مُسَابِبُهْ
وَلَوْ لَمْ تَكُنْ نَفْسِي عَلَيَّ عَزِيزَةٌ *** لَمَكَّنْتُهَا مِنْ كُلِّ نَذْل تُجَاوِبُهْ
هذا البيت يُذكِّرُكَ بأهمية الترفع عن المشاحنات مع الغرباء، ومع الأقارب من باب أولى، لا سيما الوالدين، مع الفارق طبعا؛ فالوالدان لا ينطبق عليهما الصفة الواردة في البيت الشعري (نذل) بل هما كرماء حتى لو أساءا في تعاملهما.
ثالثًا: خطوات عملية للتعامل مع الوضع:
• اختر الأوقات المناسبة للتحدث مع والدك، وتجنب النقاشات في أوقات الغضب.
• استخدم كلمات لطيفة ومهذبة، وابتعد عن الجدال، فقد قال الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83].
• ادعُ الله أن يصلح حال والدك وأسرتك، الدعاء سلاح المؤمن، وقد قال النبي ﷺ: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ» [رواه الترمذي، ورواه البخاري في الأدب المفرد].
• استغفر لوالدك ولأفراد أسرتك؛ فالاستغفار يجلب الرحمة والبركة.
• إذا كنت تستطيع، حاول أن تكون وسيطًا بين والدك ووالدتك، أو بينه وبين إخوانك، ولكن بحذر ودون أن تنحاز لطرف على حساب الآخر.
• استعن بشخص حكيم من العائلة أو المجتمع ليكون وسيطًا إذا لزم الأمر.
• خصص وقتًا لنفسك للراحة والتفكر، يمكنك ممارسة الرياضة أو قراءة القرآن أو القيام بأنشطة تحبها لتخفيف التوتر.
• إذا كان التواصل المباشر مع والدك صعبًا، يمكنك بره بطرق أخرى مثل إرسال الهدايا، أو كتابة رسالة تعبر فيها عن حبك واحترامك له.
• حتى لو كانت العلاقة مع والدك متوترة، حاول أن تبقى على تواصل معه ولو بشكل بسيط، قال النبي ﷺ: «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» [رواه البخاري].
• استخدم تقنيات التنفس العميق والاسترخاء لتخفيف التوتر قبل وأثناء التعامل مع المواقف الصعبة.
• حاول أن تضع حدودًا صحية لنفسك؛ بحيث لا تؤثر الخلافات على سلامتك النفسية.
• ركز على الجوانب الإيجابية في والدك، وذكر نفسك بأنه بشر قد يخطئ مثلنا جميعًا.
• حاول أن ترى الخلافات كفرصة للتعلم والنمو الشخصي.
• إذا شعرت بأن الوضع يتفاقم، يمكنك اللجوء إلى مستشار أسري، أو إمام مسجد موثوق للحصول على نصيحة إضافية.
أسأل الله أن يرزقك الحكمة والصبر، وأن يصلح حال والدك وأسرتك، وأن يجعل هذا الابتلاء سببًا في رفع درجاتك، تذكر أن الله مع الصابرين، وأن كل جهد تبذله في بر والدك وصلة رحمك هو في ميزان حسناتك.
اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سُبل السلام، وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعلنا من البارين بوالدينا، ومن الواصلين لأرحامنا، واغفر لنا ولهم، وارزقنا رضاك ورضاهم عنا، آمين.