الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا أشعر بقيمة الحياة، فهل هي شعور طبيعي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تركتُ الدراسة لظروفٍ معينة؛ ولأن الله قد منَّ عليَّ بحبّ العلم، فقد انزعجتُ كثيرًا، خاصةً مع وجود ظروفٍ عائلية، ومرض أخي النفسي، ومنذ ما يقارب ثلاث سنوات، بدأتُ أشعر بعدم قيمة الحياة، وفكّرتُ حينها في إنهاء حياتي، لكنه كان مجرد تفكير، ولم أُقدم على أي محاولة، ونظرًا لمعرفتي بحرمة قتل النفس، بدأتُ أحرص أكثر على أداء الصلوات في وقتها، وأقرأ الكتب، وأنام مبكرًا، وأتجنب الحديث مع الناس قدر الإمكان، وأقوم بأداء أموري بنفسي.

قد يبدو هذا التغيير إيجابيًا، لكنه كان مدفوعًا برغبة داخلية في انتظار الموت، لا أكثر، كنتُ أُصبّر نفسي بأنني قد أموت قريبًا، كما غرقتُ في سلسلة من وساوس النظافة، ولم أخبر أحدًا بها، هذه الوساوس أحاول تجاهلها، وأحيانًا أُصاب بوساوس في العبادات، لكنني -ولله الحمد- أستطيع التخلص منها سريعًا.

لاحظ أخي -وهو أكبر مني بخمس سنوات- حالتي، وعلاقتي به طيبة، وكان –بعد عون الله– سببًا في ابتعادي مؤقتًا عن هذه الأفكار، ثم جاءت إجراءات السفر إلى دولتنا، فتقلّبتُ بين الحزن والأمل بعدم السفر، لكن الأمر انتهى بسفرنا دون إخوتي وأبي وأمي، إذ كنتُ فقط مع أخواتي وعمّتَيّ.

وهنا، خفّت الوساوس كثيرًا -والحمد لله- وكنتُ أقول: "ربما إن تغيّرت حياتي، سأكون بخير" عدتُ للدراسة في دولتنا، لكن الشعور ذاته ظلّ موجودًا، مع شعور بعدم الراحة، لم أكن أشتاق لعائلتي، رغم أنني أحبهم، وبعد نحو ثمانية أشهر، عدتُ إلى عائلتي -ولا تزال أختان لي في دولتنا-، غالبًا ما تكون لدى عائلتي رغبة في الخروج، لكنني لا أرغب بذلك -وهذا أمر ليس بجديد- وأمي ترفض الخروج من دون أحد منا، أحيانًا أذهب معهم، وينتهي بي الأمر نادمة، متمنية لو لم أذهب، وفي أوقات كثيرة لا أخرج معهم، أشعر بالحزن فجأة دون سبب، وأفقد الاهتمام بالأشياء من حولي، ولا أملك رغبة في الاستماع أو الحديث مع أحد.

كنتُ أبالغ في القلق بشأن أمرٍ ما، لكنني صرتُ أتجاهله، ولم أعد أقلق حياله، رغم أنني أعلم أن مجرد التفكير فيه يعيد القلق، ولا أكون -في غالب الأمر- راضية عن صلاتي، أشعر أنني غير خاشعة، ولا أتذكّر السور التي قرأتها، وعند قدوم الصلاة التالية لا أتذكّر ما الذي صليته، وما هي هذه الصلاة الآن.

هل هذه مشاعر طبيعية؟ جزيتم الجنة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جنان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -بُنَيَّتي- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لكِ تواصلك معنا بهذا السؤال، ونشكرك على دعوتك لنا بالجنة، رزقنا الله وإيَّاك هذه النعمة العظيمة.

بُنَيَّتي: لا شك أن ما مررت به صعب، ليس بالأمر الهيِّن، فأنت تعيشين في بلد غربة غير بلدكِ الأصلي، ويبدو أنه قد توزعت الأسرة بين بلدين، وهذا ليس بالأمر البسيط، فبعض أفراد الأسرة في بلد والبعض الآخر في بلد آخر، فهذا ليس بالأمر السهل أو الهيِّن، ولكن ما توقفتُ عنده هو تركك للدراسة.

كنتُ أحب لو ذكرت لنا عن ظروفك وأسباب ترككِ للدراسة، ذكرت أنها ظروف عائلية، ومرض أخيك النفسي، أنت أدرى بهذه الظروف، ولكن هذا ليس مبررًا لترك الدراسة، وخاصةً أنك في هذا السن، وثانيًا أنك محبة للعلم، وقد سرني جدًّا أنك عندما عدت لبلدكم، عدت للدراسة، وأرجو أنك مستمرة في الدراسة حتى بعد العودة إلى بلد المهجر مع بعض أفراد أسرتك، هذا الذي فهمته، وسامحيني إن لم أفهم تمامًا هذا التوزيع.

المهم أني سعيد أنك عدتِ للدراسة، وهذا الذي أرجوه، وإذا لم يكن هذا دقيقًا أو صحيحًا، فأرجو أن تفكري جديًا بالعودة إلى الدراسة، أو بشيء تقضين فيه وقتك بما يفيد وينفع، وليس -كما ذكرت- أنك تجلسين تنتظرين الموت، وأحمدُ الله تعالى على أن صرفك عن إيذاء نفسكِ وإنهاء حياتك، فأنت من الواضح أنكِ شابة مؤمنة، قريبةٌ من الله عز وجل، حريصة على صلاتك ودينك، ولا أريد أن أطيل في هذا، فعلمك ووعيك يكفيني.

ومما يساعدك في قضاء وقتك بما ينفع، الدراسة الشرعية في الأكاديميات والبرامج الشرعية، وبعضها مجاني، تتعلمين دينك، وترضين ربك، وتقل عندك الوساوس، لأنك ستتعلمين العلم الذي يوصلك للاستقرار النفسي، والذي سيغير من شخصيتك لا محالة.

حاولي أن تُعيدي التفكير في نمط حياتك بين الدراسة والعيش مع أسرتك، ورعاية والدتك، فقد فهمتُ من سؤالك أن والدتكم لا تخرج إلَّا إن خرجتم معها، وأنك لا تحبين هذا، فلا شك أن في هذا ثوابٌ عظيمٌ لك من الله عز وجل على رعايتك لوالدتك، وأنت ماذا تفعلين إلَّا أنك رافقتها في خروجها، وهذا يَسُرُّها ويطمئنها، وهو بابٌ واسع كما تعلمين من أبواب الثواب العظيم: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.

فجزاكِ الله خيرًا على:
أولًا رعاية نفسكِ.
ثانيًا: رعايتك لوالدتك.
ثالثًا: رعايتك لأخيك هذا الذي يكبركِ بخمس سنين، رعايتك له -وأنا قدرتُ أنه هو الذي أُصيب بالمرض النفسي-.

فجزاك الله خيرًا على قيامك بدورك الإيجابي، مع نفسك ومع أسرتك بشكل أو آخر.

أرجو من الله تعالى أن يكون في كلامي هذا ما يفيد في الرد على سؤالك هذا، وأن يُلهمك صواب الرأي والقول والعمل، وأن يثبتك على الصراط المستقيم، ويهديك لأفضل الأعمال.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً