الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أسجل تلاوتي وأنشرها ولكني أخاف من الرياء، فما رأيكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أريد استشارتكم مشايخنا الكرام.

أنا أقرأ القرآن، ويقولون لي إن صوتي جميل، ويحبون أن أصلي بهم، وقبل عامين قلت: لن أصلي بهم خوفًا من الرياء، لأنهم يمدحونني كثيرًا، وبعدها أصبحتُ في تضارب في أفكاري؛ فأقول: يلزمني أن أصلي، لأن الله -سبحانه وتعالى- أعطاني صوتًا يخشع الناس بتلاوته، فالأفضل أن أصلي بهم، وأن أتلو القرآن، وأضعه على مواقع التواصل الاجتماعي، لعلّي أكون سببًا في هداية الناس أو أن أفيد بصوتي في الدعوة.

المهم، جاءتني الآن فكرة أن أشتري استوديو وأسعى لكي يصل صوتي فقط، لا لكي أصل أنا، لأني أقول: ربما أستغل صوتي في خدمة الدعوة، أو أكون سببًا في هداية الناس، ما دام الناس هنا يشكرونني ويحبون صوتي.

لكن كما قلت سابقًا، يحدث لي تضارب؛ فأقول: ربما هذا الذي أفعله رياء، وتارة أقول: يلزمني أن أوصل صوتي كي أفيد المجتمع.

أرجو أن تفيدوني في تلك الفكرة، هل أشتري الاستوديو وأسجل، أم أترك ذلك خوفًا من الرياء؟

أرجو نصيحتكم، بارك الله فيكم، وأعتذر عن الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرؤوف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يشرح صدرك، ويطهّر نيتك، ويجعل عملك خالصًا له -سبحانه وتعالى-. وأمَّا ما ذكرته من صراع بين خوفك من الرياء ورغبتك في نفع الناس؛ فنعم هو صراع، وأمر متفهم، ولا يكاد يخلو منه كل شاب يريد فعل عمل صالح، وهو علامة خير -بإذن الله- لأن الخوف من الرياء دليل حياة القلب.

ودعنا نقدم لك الجواب في هذه النقاط:

أولًا: الخوف من الرياء لا يعني ترك العمل، بل يعني مجاهدة النفس قبل الفعل وأثناء الفعل وبعده، لأن النبي ﷺ قال: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)، والدليل على عدم ترك العمل قوله ﷺ: (اتَّقُوا الشِّرْكَ الأَصْغَرَ، قِيلَ: وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ) فمع هذا التحذير لم يأمر النبي ﷺ أحدًا بترك العمل الصالح خوفًا من الرياء، بل أمر بتجديد النية ومجاهدة النفس.

ثانيًا: الإمامة ليست واجبة عليك، لكن إن قبلها الناس منك فهي فضل، وإذا كنت تحسن القراءة ويخشع الناس بصلاتك، فهذا فضل من الله وليس سبباً للمنع.

ثالثًا: نشر تلاوتك أو تسجيلها جائز إذا كان الهدف دعويًا، فقد كان السلف يقرؤون القرآن ويتأثر الناس بقراءتهم، ولم ينهوا أنفسهم عن ذلك خشية رياءِ عابر، وقد قال النبي ﷺ لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه لما سمع قراءته: (لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ) فَقَالَ: "لَوْ عَلِمْتُ ‌لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا"، وعدّه أهل العلم دليلًا على جواز تحسين الصوت بالقرآن، بل استحبابه.

رابعًا: شراء الاستوديو لا يُعدّ رياءً في ذاته، وشراء أدوات التسجيل أو السعي إلى نشر الخير لا يعني الرياء، والميزان في ذلك هو النيّة، فإن استطعت ضبط نيتك، وجعل الهدف هو نشر القرآن، ونفع الناس، وتيسير الدعوة، وتجويد التلاوة؛ فلا حرج في التسجيل، ولا في نشر القراءات.

خامسًا: كيف تتعامل مع الوسواس في النية؟
في مثل حالتك قد يكون الخوف من الرياء وسوسة لا حقيقة، وهذه نصائح عملية:

- قبل أي قراءة أو تسجيل جدد النية وقل بقلبك: "اللهم اجعل عملي خالصاً لوجهك".
- إذا مدحك الناس فاحمد الله سرًا وقل: (اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُون واغفر لي ما لا يعلمون).
- لا تُطِل التفكير، فكثرة التفتيش في النية بابٌ للشيطان.
- استمر في العمل، مع مراقبة قلبك بهدوء.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يستعملك في طاعته، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً