الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أختي أصبحت لا تطيق أمي المسنة..فكيف أنصحها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أختي تُوفِّي زوجها وترك ثلاثة أولاد: أكبرهم يبلغ من العمر 24 عامًا وهو متزوج، والابن الثاني في الجامعة عمره 18 عامًا، والابن الأصغر عمره 7 سنوات، وهي تعاني من ضغوط نفسية ومادية، وأمي ترافقها منذ زواجها في بلد غير البلد الأم.

وقد تُوفِّي أخي الوحيد بعد وفاة زوج أختي بخمسة أشهر، فأصبحت أمي أيضًا مكلومة بفقد وحيدها، وللأسف أختي أصبحت لا تطيق أمي المسنّة التي تجاوزت التسعين عامًا، وتنهرها هي وأبناء أختي.

فما الذي ينبغي أن أفعله؟ وهل يُعدّ هذا عقوقًا منهم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عبير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يعينكم، وأن يثبّت قلوبكم.

اجتماع الفقد والمرض وضيق اليد؛ كلها كفيلة بأن يُرهق أقوى النفوس، فكيف بوالدتكم الكبيرة، وأختكم التي تحملت ما تحملت؟! لكنّ شدّة الابتلاء لا تبيح الظلم، ولا تُسقط حقّ الأم، ولا تُجيز إيذاء المسنّة أو التهاون في برّها، ودعينا نجيب على السؤال من خلال ما يلي:

أولاً: من المعلوم قطعًا أن إيذاء الأم أو رفع الصوت عليها، أو التضجّر منها؛ هو من العقوق، والعقوق في الشريعة من الكبائر، وقد قال الله تعالى: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا﴾، وقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «الكَبائِرُ: الإشراكُ بالله، وعُقوقُ الوالِدَينِ، وقَتلُ النَّفسِ».

فإذا كانت أختك أو أولادها يرفعون الصوت على أمكم، أو يضيّقون عليها، أو يُشعرونها بأنها عبء؛ فهذا من العقوق، ولا يبرره حزن أو ضيق، نسأل الله أن يصلحهم جميعًا.

ثانيًا: مع ذلك لا بد أن يراعى أنّ أختك تمرّ بضغط نفسي شديد، ففقدُ الزوج وتحمل أعباء تربية ثلاثة أبناء، والعيش بعيدًا عن الأسرة، ثم وفاة أخيكم؛ كل ذلك ليس بقليل، وهذه الظروف تجعلها بلا شك متوترة أو حادة، وهذا يجب أن يكون حاضرًا؛ حتى لا تظلم هذه الأخت التي عاشت مع الأم عمرًا طويلًا.

ثالثًا: الأهم ممّا مضى هو دوركم، فأنتم يمكنكم الإصلاح بحكمة ولطف، ومن ذلك:
- تذكير أختك -برفق- بحقّ أمكم، وبأنّ البر سبب للبركة والرحمة، مع مشاركتك مشاعرها وتفهمك لحالها؛ حتى تبصر فيك الأخت الناصحة المربية.

- محاولة تخفيف العبء عن أختك قدر الإمكان: كمساعدة مادية قدر المستطاع، أو ترتيب من يساعد في شؤون والدتكم.

- الحديث مع أبناء أختك؛ فهم شباب يمكن أن يتأثروا بكلمة صادقة، ويجب أن يُفهموا أنّ إعانة الأم وإكرام الجدة عبادة وقُربة.

- التأكيد على أن العقوق لا يُغتفر بشرط الظروف، بل هو ذنب عظيم يجب التوبة منه فوراً، فقد جاء في الحديث الصحيح: «رَغِمَ أنفُ رجلٍ أدركَ والدَيهِ عندَ الكِبَرِ، أحدَهما أو كِليهما، فلم يدخُلِ الجنة»، وهذا تحذير شديد من التفريط في برّ الوالدين عند الكبر.

لذلك نقترح عليك خطوات عملية:
- اختاري وقتًا هادئًا للحديث مع أختك دون توبيخ، قولي لها: "إن أمّك تحتاج رحمة لا صراخًا".
- اقترحي حلولًا بديلة: تقسيم المهام بينكم، وإشراك الأبناء في رعاية الجدة، وطلب المساعدة من الأقارب.
- قرّبي الأم من بيئة ألطف إن كانت تتعرض لأذى مستمر.
- أكثري الدعاء؛ فإن قلوب البشر بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يرزقكم بر والدتكم وبر أختكم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً