الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اتفقت مع صديقي على خطبة أخته ولكن أهلها يماطلون، فما رأيكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

استخرت الله وتقدمت لخطبة أخت صديق لي منذ شهر أكتوبر 2024، وقد كنت حينها عاطلًا عن العمل، ففرح بالأمر وطرح الموضوع على عائلته، ثم أجابني أن العائلة مسرورة، لكن الفتاة تُفضِّل أن تتريث حتى تلتحق بالتدريس في الجامعة؛ بحكم أنها نالت شهادة الدكتوراة حينها.

طال الأمر، وفي شهر رمضان الماضي استخرت الله وأعدت سؤاله عمّا جَدَّ، وأردت أن أبلغه بتراجعي عن الأمر، لكنه طلب مني أيضًا التريث، وأبدى أنهم يريدون لهذا المشروع النجاح، فلم أتراجع.

وبعد حصولي على منصبي الحالي، وهو رئيس مصلحة في شركة عمومية في شهر يونيو الماضي، استخرت الله وأعدت طلبي بأنني أريد جوابًا صريحًا ونهائيًا، بحكم أنني أريد ترتيب أولوياتي، إمَّا المواصلة أو التراجع عن الموضوع نهائيًا.

فرد عليّ بعد يوم بأن الرد كان إيجابيًا جدًّا، وأن والديها يريدانني بشدة، لكنها ما زالت تفضل التريث حتى حصولها على المنصب، وطلب مني أن أصبر، فلم أنصرف عن الموضوع.

لم نتحدث في الأمر حتى شهر سبتمبر؛ حيث قال لي: إنها في إطار تسوية مع الجامعة من أجل الحصول على المنصب.

ومنذ ذلك الوقت لم أعد ألتقي بهذا الصديق، وأنا دائم الاستخارة في الموضوع، ولم أستطع تجاوزه، ولم أجد فتاة أخرى، وتعسّر عليّ نسيانها؛ فكلما أردت أن أغلق الباب تعلقت أكثر، وكلما حاولت البحث عن فتاة أخرى تعسّر الأمر.

أنا أدعو الله يوميًا وأريد أن أمضي في حياتي، وكثيرًا ما أعتقد أنها لا تناسبني، لكنني أفكر في الموضوع بشكل يومي رغم أنني أريد تجاوزه بشدة، مرور عام كامل دون ردّ أو رؤية شرعية أو خطبة، جعلني أظن أن الأمر قد تعسّر.

لست أدري إن كان عدم قدرتي على تجاوز الأمر سببه الاستخارة، أم أنه عقد نفسية أعاني منها بسبب مشاكل عائلية طويلة، وإهمال عاطفي من الوالدين، غفر الله لهما.

بماذا تنصحونني، وكيف أتصرف إن كان هذا هو التوجيه الصحيح؟ علمًا أنني أعاني بسبب هذا الموضوع؛ فتارة أفكر أنهم يحتقرونني، ومرة أظن أنه مجرد قدر مكتوب ويجب أن أصبر، وحتى إن كتب له النجاح فإن العلاقة لن تكون سليمة بسبب هذا التعقيد، ولم أجد من أستشيره سوى والدتي، لكنها لم تعطِني نصيحة واضحة.

بارك الله فيكم، وأعانكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن عرض السؤال، ونسأل الله أن يُقدّر لك الخير ثم يرضيك به، وأن يصلح لنا ولكم الأحوال.

لا شك أن ما يحصل من الفتاة وأهلها أمر لا يخلو من الإزعاج، خاصة بعد حصولك على المنصب، وبعد وجود عمل تستطيع أن تتكئ عليه ليكون سببًا، والله هو الرزاق، والمرأة تأتي برزقها، والأطفال يأتون بأرزاقهم، لكن لابد من بذل الأسباب، قال العظيم: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ﴾ [الملك: 15]، وقال سبحانه: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: 10]، يعني: اطلبوا رزق الله بالسعي إليه.

فالرجل من فضل الله أنه هو الذي يسعى في طلب الرزق، وفي الحقيقة تكفي في الرجل الجاد الجدية حتى في البحث عن العمل والبحث عن المال؛ لأن هذا هو المطلوب، والأرزاق تقل وتكثر، كل ذلك بيد الله الرزاق -سبحانه وتعالى- والأرزاق تتنوع، فما من إنسان إلّا ورزقه كامل، لكن هذا أُعطي علمًا، وهذا أُعطي فهمًا، وهذا أُعطي مالًا، فنحمد الله -تبارك وتعالى- على نعمه، وبالحمد تزيد النعم، وبالحمد تثبت النعم فلا تزول، فاجتهد في شكر الله وحمده والثناء عليه.

الذي نقترحه عليك هو أن تكرر الكلام مع هذا الصديق، وتبيِّن له بمنتهى الوضوح أنكم ولله الحمد أسرة طيبة، "وأنا سعيد بكم، ولن أجد مثلكم، لكن إذا كان للأخت رغبة في مزيد من الانتظار فالأمر سيصعب عليَّ، وهي بالخيار، وهي صاحبة القرار، وستظل أخوتي معك مستمرة".

فعند ذلك ينبغي أن تسمع جوابًا جادًا في هذه المسألة، ولا نؤيد فكرة الانسحاب دون أن تُؤدي ما عليك كاملًا، أنت تُشكر على هذا الصبر وعلى هذا الانتظار الطويل، ولا مانع من أن تُؤمِّن الفتاة وأهلها بأنك لا تُمانع بعد ذلك من أن تعمل العمل المناسب، بل ذلك سيكون في مصلحة الأسرة خاصة في بداياتها، والأسرة مسؤولياتها خفيفة، وبعد ذلك يمكن أن تُرتّبوا ما بينكم من الأمور الخاصة بعد الزواج.

فإذًا: لا بد من كلمات واضحة مع هذا الأخ، وتطلب منه أيضًا أنك تريد ردًا أخيرًا، وذكِّره بأن الوقت قد طال والأعمار تمضي، فأنت تريد أن تُكمل نصف دينك، وبيِّن له أنك حريص عليهم، وأنك سعيد بهم، لكن هذا التطويل وهذا التأخير لن يكون فيه مصلحة، وانتظر منهم الجواب، وفي كل الأحوال تَقبَّل الجواب الذي يأتي، ثم تواصل مع موقعك حتى نفكر سويًا في هذا الموضوع.

وأنت أيضًا في هذا الوقت لا بد أن تنظر في الخيارات البديلة؛ وصلاح الفتاة وصلاح دينها وصلاح أسرتها، هذه قاعدة أساسية، ويبدو أن هذا متوفر في الفتاة المذكورة، والإنسان يحتاج في بعض الأحيان إلى أن يُضحي إذا كان الموضوع يستحق هذه التضحيات.

وعليه: أرجو أن تعرض الأمر هذه المرة بأسلوب مغاير وبمنهج أوضح، وأن تطلب منه وتوضح له أنك لا تجد في الأمر حرجًا، مهما كان الجواب، وأن الفتاة لها أن تختار: الاستمرار معك أو التوقف عن هذا المشروع، والأمر متروك لها، وأرجو ألَّا تضايقوها، فهي صاحبة القرار.

مثل هذه الكلمات سيكون لها أثر كبير، وسيأتيك بعدها الجواب الواضح الشافي -بإذن الله تبارك وتعالى- ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُقدّر لك الخير ثم يرضيك به، وأن يضع في طريقك الفتاة التي تعوضك عما فقدت، وتُعينك على الخير، وتُعينها على الطاعة، ونسأل الله أن يجمع بينكم في الخير وعلى الخير.

هذا، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً