الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تضيع حقوقي بسبب خجلي.

السؤال

أعانى من الخجل الشديد بمعنى أنني أخجل من الحديث في أي مجتمع كبير مثل: المحاضرات التي أعجز فيها عن النطق بأي كلمة حتى وإن كان للتعبير عن وجهة نظر أتبناها بشدة، ويدق قلبي بشدة إذا أجبرني المحاضر على الحديث أو شعرت أنه ينوي فعل ذلك، وأعجز تماماً عن الإتيان بشيء رغم أنهم زملائي في مثل سني، كما أن صوتي في أي مجتمع كبير يكون منخفضا لدرجة لا تسمع، ويكون صوتي عاليا في داخلي؛ لكنه في الحقيقة لا يسمع، وإذا ركبت سيارة أجرة أظل متخوفاً من قول: (على جنب)، وأحياناً تفوت مني محطتي دون أن أقدر أن أقول له أنني أريد أن أنزل.

أكاد أموت إذا نظر كل الناس لي، وأعجز عن التفوه بكلمة.

كما أنني أعاني من العصبية والحديث دائماً بشيء من الحدة، وكذلك المزاح الذي يحمل إهانة لمن أمامي أو غير المناسب _خاصة مع البنات_ مما يجعلني مرفوضاً جزئياً منهم.

وأعجز كذلك عندما تزيد جماعة الأقران عن -ثلاثة مثلاً- عن التفوه بكلمة واحدة، وأذوب داخلياً خوفاً من السخرية عند النطق بكلمة.

أرجوكم أريد حلاً لمشكلتي لأنني تضيع حقوقي بسبب خجلي!

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ أسامة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولاً: فهذه الأعراض التي ذكرتها هي حقيقة ليست نوعا من الخجل، هي نوع من الرهاب أو الخوف الاجتماعي، والخوف الاجتماعي والرهاب ليس هو نوعا من الخجل، كما أنه ليس دليلاً على أن الإنسان يتصف بنوع من الجبن أو عدم القدرة على المواجهة، إنما هو نوع من الخوف الخاص الذي يصيب الإنسان نتيجة لتجارب سلبية بسيطة حدثت له ولم يعرها اهتماماً، وربما يكون ذلك في فترات الطفولة.

أيها الابن العزيز: العلاج إن شاء الله بسيط جدّاً، العلاج يقوم على المواجهة، والمواجهة تتطلب العزيمة، وتتطلب أن تبني في داخلك إرادة التغير، قل مع نفسك: أنا سوف أتغير، هذه الأفكار أفكار لا يوجد بها أي منطق، ولابد أن أواجهها، لابد أن أتخلص منها.

أرجو أن تجلس مع نفسك جلسات لا تقل عن نصف ساعة في اليوم، خلال هذه الجلسات العلاجية تأمل أنك في مواجهة، تأمل أنك ذهبت لأحد المحلات التجارية الكبيرة وتسأل البائعين فيما تريد، تأمل أنك قد طُلب منك أن تصلي بالناس جماعة في مسجد كبير، تأمل أن المعلِّم قد طلب منك محاضرة أو حديثاً، تأمل أنه لديكم مناسبة كبيرة في المنزل مثل الأعراس وخلافه، وأنك كنت في استقبال الضيوف، أرجو أن تعيش خيالاً حقيقياً بمثل هذه التمارين النفسية الخيالية، ولكنها في الواقع تنقل الإنسان من الخيال إلى الواقع وتزيل المخاوف إن شاء الله.

ثانياً: عليك أن تحضّر بعض المواضيع البسيطة وقل لنفسك: أنا سوف أذهب لفلان وأتحدث معه في هذا الموضوع، اعزم على نفسك، ربما تحس بشيء من القلق، ولكن صدقني بعد ذلك سوف تجد هذا القلق قد بدأ في الانخفاض ثم الزوال والاختفاء بإذن الله تعالى.

تعلَّم أن تنظر إلى الناس في وجهوهم حين تخاطبهم، ولا تتجنبهم أبداً، الجأ إلى التجمعات اللامباشرة، مثل ممارسة الرياضة الجماعية مثل كرة القدم، هذه إن شاء الله تزيل منك هذا الخوف والرهاب.

أرجو أن تذهب إلى حلقات التحفيظ في المساجد، فهي أيضاً أمر علاجي عظيم فيما يخص الرهاب والخوف والخجل الاجتماعي.

الشق الآخر في العلاج هو العلاج الدوائي، وتوجد الحمد لله الآن أدوية فعّالة وممتازة لعلاج مثل هذا الرهاب، أفضل دواء في هذه المجموعة هو العقار الذي يعرف باسم زيروكسات، والدواء الثاني يعرف باسم زولفت.

إذا تحصلت على الزيروكسات أرجو أن تبدأ في تناوله بمعدل نصف حبة ليلاً بعد الأكل وذلك لمدة أسبوعين، ثم ارفع الجرعة بنفس المعدل، أي نصف حبة كل أسبوعين حتى تصل إلى حبة ونصف في اليوم، استمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، هذا ضروري جدّاً، فالالتزام بالوقت والمدة من أهم الفعاليات التي تؤدي إلى نتائج إيجابية بالنسبة للعلاج الدوائي.

بعد ذلك – أي بعد انقضاء الستة أشهر – ابدأ في تخفيض الدواء بمعدل نصف حبة كل شهر، حتى تتوقف عنه، هذا الدواء من الأدوية السليمة والطيبة الفعّالة جدّاً.

أما إذا كان البديل الثاني وهو الزولفت أو ما يعرف باللسترال – يسمى في مصر لسترال – يمكنك أن تبدأ في تناوله بجرعة 50 مليجرام – حبة واحدة – ليلاً لمدة شهر، ثم ارفعها إلى حبتين في اليوم، واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خفضها إلى حبة واحدة لمدة شهر، ثم توقف عن تناولها.

أيها الابن الفاضل: هذه الأدوية إن شاء الله أيضاً سوف تفيدك جدّاً في إزالة العصبية والتوتر، وتزيل أي نوع من عسر المزاج ينتابك.

بالنسبة للحديث مع البنات، حقيقة هذا الأمر دائماً إذا أراد الإنسان أن يتحدث مع غير محارمه ويضطر لذلك يجب أن يقوم ذلك على تقوى الله وعلى حدود ما هو مطلوب وما تقتضيه الضرورة من دراسة وخلافها، أرجو ألا تعتبر ذلك عيباً، وأرجو أن تمحو من تفكيرك وكيانك هذه الأفكار السلبية عنك.

أنا أرى أنه إن شاء الله باتباعك الإرشادات السابقة وتناول الأدوية التي وصفتها لك سوف تجد إن شاء الله أن أحوالك قد تغيرت وقد تبدلت، وأصبحت أكثر ثقة بنفسك وأصبحت لا ترهب ولا تخاف هذه المواقف التي ذكرتها، وعليك بمواصلة هذا التفكير الإيجابي مع الإرشادات السلوكية، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

وبالله التوقيق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً