الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من الخوف والقلق الناشئ منذ الصغر؟

السؤال

في البداية أتمنى من الله أن تساعدوني في حل وفهم ما أشعر به، وكيفية التغلب عليه، وعذرا إذا أطلت في السرد، فهناك بعض التفاصيل المهمة:

مشكلتي أساسها الخوف، فمنذ صغري وموضوع الخوف عندي زائد بعض الشيء، فمثلا كنت وأنا صغير أخاف النوم بمفردي، واستمر هذا معي حتى نهاية المرحلة الإعدادية، حتى تغلبت عليه وأصبح شيئاً عاديا، المهم كنت أتضايق جداً من هذا الخوف، ولا أدرى ما سببه؛ يمكن لأنني كنت وحيد والدي على بنتين، وكنت أنا الكبير، فكانوا يهتمون بي بصورة زائدة بعض الشيء لا أدري!

أيضاً أحد العوامل، أو لنقل النتائج لهذا الخوف الخجل من الجنس الآخر، حيث من صغري يحمر وجهي عند محادثة البنات، وقد بدأت هذه المشكلة تظهر وتؤرقني عندما كنت في المرحلة الثانوية، حيث كان زملائي يختار كل منهم فتاة على أنها فتاة أحلامه، وكنا في مدرسة مشتركة، فاخترت أنا فتاة لأجاريهم، ولكن عندما علمت هذه الفتاة وزملاؤها كانوا يضحكون ويتغامزون علي، ولم أكن أستطيع مواجهتهم ومنعهم من هذا، وقد أثر هذا علي جداً، حيث اكتشفت أني عاجز عن مواجهة موقف تافه كهذا.
وبدأت المشكلة الحقيقية عندما بدأت مرحلة الثانوية العامة، حيث كنت بدأت أتناسى هذا الموضوع وأركز في مذاكرتي، وبالفعل استمريت على هذا فترة، ولكن مع قلق المذاكرة وحرج هذه المرحلة كنت أفكر كثيراً وأتذكر ما حدث، ويراودني الخوف من تكرارهم السخرية، ثم تدريجياً بدأت هذه المخاوف تعوقني عن المذاكرة، وتعددت واتسعت دائرتها، وأصبحت مثل الأفكار التسلطية، ولكنها كانت تظهر عند المذاكرة، أما في باقي الأوقات أكون عادياً ولا أشعر بشيء، ولكني استطعت بفضل الله، وبمشقة، اجتياز مرحلة الثانوية العامة بمجموع كبير ودخول إحدى كليات القمة.

وقد تتساءل لماذا لم أفكر في حل أو علاج لهذه المشكلة، والسبب أني حققت الذي كنت أريده في هذه الفترة على الأقل، ولكن ظهرت ثمار هذه المشكلة عند دخولي الكلية، حيث كانت عندي حالة من الخمول والرغبة في الاستراحة من المذاكرة التي كانت تسبب لي هذه المشاكل، ولكن كليتي كانت تتطلب مجهوداً كبيراً، وعندما بدأت أذاكر كان عندي خوف من المذاكرة.

المهم أنني لم أرجع لسابق عهدي بالمذاكرة؛ بسبب هذه المخاوف والأفكار والتي كانت تشتد في فترة الامتحانات، وحصلت على تقديرات سيئة في العام الأول والثاني، وأريد أن أشير إلى نقطة أنه طوال هذه الفترة لم أبح بشيء لأهلي، ولم يكونوا يلاحظون أي شيء؛ لأني لا أريد إقلاقهم، إلا أنهم يعزون عدم توفيقي في الكلية بسبب تقصير في المذاكرة، وأنا لا أستطيع إخبارهم بهذا.

وأنا الآن في بداية العام الثالث أريد أن أتفوق، أريد أن أسعد والدي ووالدتي، أريد أن أتخلص من هذا الخوف، أريد أن أحقق ذاتي، فقد كان حلمي أن أصبح معيدا في كليتي، طبعاً عندي إحباط، وثقتي بنفسي تأثرت، لكني واثق بأن الله لن يضيعني، وأنه يدخر لي الخير، طبعاً توجد بعض التفاصيل التي لم يتسع لي المقام لذكرها، ولكن أتمنى أن تكونوا تفهمتم ما أشعر به.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإننا نود الدخول معك في حديث صريح وواضح جداً، فأنت بحمد الله شاب عاقل مؤمن، ولا تنقصك الشجاعة أو الثقة في النفس، ولكن خطأك كان منذ أن حاولت أن تجاري الشباب الذين لا هم لأحدهم إلا التفاخر بأنه على علاقة مع فلانة، وأنه قد اصطاد فلانة.

فأنت بطبيعتك قد نشأت نشأة طيبة مؤدبة في أسرتك، هذا مع الرعاية والمحافظة التي ربما تكون زائدة عن الحد المتوسط المعتدل، فلما حصل لك اختلاط بأمثال هؤلاء الشباب المعتادين على الأفعال التي حرمها الله تعالى كالنظر إلى النساء، بل وإقامة العلاقات معهن، حصل لك شعور بأنك إن لم تفعل كما يفعلون فأنت إذن ناقص عنهم، فحاولت مجاراتهم في مثل هذه الأفعال، فحصل لك ما لم يكن متوقعاً.

الارتباك من هذا الأمر لأنك غير معتاد عليه، وليس من أخلاقك الكريمة التي اعتدت عليها، وحصل كذلك سخرية لاذعة أثرت فيك تأثيرها البالغ، حتى صرت تخشى من نظرات هؤلاء الشباب إليك وسخريتهم بك.

والمتوقع أيضاً، أنك كنت تظن أنك قد صرت حديث مجالسهم حتى مع الفتيات اللاتي يصحبنهم في تلك العلاقات المحرمة، فزاد هذا في نفسك الشعور بالوحشة ثم زاد إلى حد القلق والاضطراب، حتى خرج بك إلى حد الخوف من أن يسخر بك دائماً، فأدى كل ذلك إلى ضعف مستواك الدراسي كنتيجة عادية لمثل هذا الاضطراب النفسي والذهني الذي لديك.

ومع هذا فالحل قد جعله الله تعالى بين يديك وفي قبضتك، فأنت شاب بحمد الله عاقل، صاحب فهم سليم، بل وقادر على الخروج من كل ما تعانيه، فالمطلوب منك هو هذه الخطوات السهلة الميسورة:

1- التأمل والنظر السليم في حقيقة الرجولة التي ينبغي أن تكون عليها، والتي لابد من أن تحرص عليها، فليست الرجولة والفحولة في إنشاء علاقات تافهة محرمة مع الفتيات، أولها إثم وحرام، وآخرها فضيحة وندامة، بل الرجل الحق، هو الذي تكون همته معلقة، في معالي الأمور، وليس في محقراتها، فهمتك منذ هذه اللحظة هي: طاعة الله تعالى، والفوز برضاه، والعمل بكل ما تقدر عليه من امتثال أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

فأنت محافظ على صلاتك، بل وتؤديها في المسجد في الجماعة، محافظ على كرامتك، فلا تسمح بالعلاقات التافهة مع الفتيات الأجنبيات، بار بوالديك، ناصح ومحافظ على أختيك، بل وصحبتك هي الصحبة الصالحة من الشباب المتوضئين المحافظين على دينهم، فبذلك تكون الرجل حقاً، وتكون صاحب الهمة التي لا ترضى إلا بأشرف الأمور، وتنبذ سفسافها (محقراتها) كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها) رواه الطبراني.

وأما عن المذاكرة لدروسك، فهذا لا يحتاج منك لأكثر من إمعان في مصلحتك ونظر في عواقب الإهمال الذي يتسبب في ضررك، بل وضرر والديك ونحن نجزم لك جزماً، أنك إذا ما بذلت وسعك فيما أشرنا عليك باتباعه أنك ستجد من نفسك همة عالية في كل ما هو من صلاح دينك ودنياك، وليس في دراستك فقط، فكن كما قال صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم في صحيحه.

ونود لو أعدت الكتابة إلينا قريباً، لمتابعة هذا الأمر، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والهدى والفلاح والنجاح.
وبالله التوفيق.

الشيخ / أحمد مجيد الهنداوي

====================

وبعد استشارة المستشار النفسي الدكتور محمد عبد العليم أفاد بالتالي:

هذه الاستشارة قد قام بإجابتها الإخوة المشايخ ولا بأس أن أضيف، وبالطبع أتفق تماماً على ما ورد من نصائح قيمة قام بها الشيخ، والذي أود أن أضيفه بالنسبة لك هو أنك بالطبع يجب أن تعيش الحاضر، يجب أن تعيش حاضرك الآن بقوة وثبات وتعيش المستقبل بأمل ورجاء، وتنظر إلى الماضي ليس بالسلبية التي تنظر إليه الآن، انظر إلى الماضي بأنه تجربة تساعدنا في التطور المستقبلي والتطور الآني.

من الواضح أن شخصيتك تحمل سمات القلق والتوتر وربما الخوف وفقدان الثقة بالذات من فترة مبكرة، وهذا ليس بالمستغرب، يحدث لكثير من الناس، ولكن الحمد لله يمكن أن يحدث لهم أيضاً تغير كبير وانطلاقة فاعلة؛ خاصة بعد انقضاء فترة اليفاعة وبداية فترة الشباب التي أنت الآن فيها.

أرجو ألا تستسلم، أرجو ألا تفكر سلبياً في ذاتك، أرجو أن تهتم بالأمور الضرورية في حياتك، وأرجو أن تركز على دراستك وأن تضع أهدافا وآليات توصلك لهذه الأهداف بإذن الله تعالى.

هنالك أشياء لابد لك من القيام بها وهي التواصل مع زملائك، والأخذ بما يتمتعون به من فضائل الأعمال، اختر الرفقة والأخلاء الطيبين والفاعلين في نفس الوقت.

يمكنك أيضاً أن تمارس أيضاً الرياضة الجماعية فهي تولد طاقات جميلة جدّاً في الإنسان، حاول أن تحضر حلقات التلاوة مع زملائك، هذا أيضاً يعطيك القوة والدافعية، كذلك لابد أن تضع جدولاً من أجل مساعدتك في إدارة الوقت فهي من الفنون الجميلة والفاعلة جدّاً، خصص وقتاً للنوم ووقتاً للراحة ووقتاً للمذاكرة ووقتاً للعبادة ووقتاً للتواصل ووقتاً للترويح عن النفس.. وهكذا؛ إذا اتبعتها صدقني أنك سوف تجد نفسك إن شاء الله بخير.

أخي: ربما تكون هنالك حالة اكتئابية بسيطة في مزاجك، لا أقول أنك مكتئب اكتئاباً مطبقاً أو شديداً، ولكن هذا الشعور السلبي وفقدان الدافعية دائماً يجعلنا نفكر أنه ربما تكون هنالك درجة من عسر المزاج أو درجة بسيطة من الاكتئاب، ولذا لا بأس مطلقاً أن تتناول ولفترة محدودة أحد الأدوية السليمة المضادة للاكتئاب.

الدواء الأمثل والذي يدفع الطاقات هو العلاج الذي يعرف باسم فلوكستين Flyoxatine، ويعرف تجارياً باسم بروزاك، ولكن في مصر يوجد تحت مسميات أخرى، أرجو أن تتناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم بعد الأكل لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفض الكبسولة يوماً بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.

أرجو اتباع الإرشادات السابقة، وأنا على يقين كامل أنك إن شاء الله سوف تجد أن حالتك قد تبدلت، عليك بقوة الثقة في إمكانياتك، وعليك أن تبني الدافعية من أجل التغير؛ وأنت لك القدرة على لك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً