الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم موافقة الوالدة المسنة في كل شيء طلباً لرضاها

السؤال

والدتي ربنا يهديها مريضة بداء الشك، وتحب عندما تقول أي كلمة أن الواحد يوافق عليها حتى لو كانت غير صحيحة، أي: لا تحب أن يعارضها أحد فيما تفهمه أو تقوله، وهذه تسبب مشاكل كثيرة بالنسبة لها منذ أن كان والدي على قيد الحياة، فهل مسايرتي لها على كل شيء تقوله حرام، حيث أريد رضاها عني لأني أخاف من غضبها، في حين أنني أحياناً كثيرة أتضايق من طبعها، ولكن أرجع أرضيها لكي أرضي ربنا؟

فدلوني بالله عليكم ولكم خير الجزاء، فإن إخوتي ينقمون عليها من ذلك ولا يتذكرون أنها إنسانة مريضة ويجب رضاها، ويدعون عليها وهي أيضاً تدعو عليهم ولا تدعو لهم إلا قليلاً جداً بسبب ضربهم لها على كل شيء؛ لأنها سليطة اللسان.

أرجوكم أن تفهموا رسالتي، وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ أم صديق حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن من يمد يده على والده أو والدته يكون قد دخل حديقة الشقاء من أوسع أبوابها، وأرجو أن يعلم الجميع أن مجرد إظهار التضجر أو حدة النظر أو رفع الصوت على الوالد أو الوالدة يعد من العقوق، وهل بقي لأحد مقال بعد أن قال الله في كتابه: (( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ))[الإسراء:23]، فإذا كانت مجرد كلمة (أف) مرفوضة فكيف بما هو أشد منها؟

وأرجو أن يلاحظ الجميع أن الآية قالت: (( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ ))[الإسراء:23]، وهذه هي السن التي يكون فيه عند الوالدين عناد وخرف وكلام خارج عن المعقول والمألوف، ومع ذلك فلا يجوز تجهيلهما أو اتهامهما بنقص العقل، بل وحتى التأفف من كلامهما، وقد أحسنت في قولك لأن المطلوب هو المسايرة ثم فعل ما كان صواباً وفيه رضوان الله، فلتتكلم الوالدة الكبيرة بما شاءت وعليكم أن تكونوا مستمعين جيدين، ولا تفعلوا من كلامها إلا ما فيه مصلحة في الدنيا والدين.

بل لا بد مع ذلك من الشفقة والرحمة بها كما قال ربنا: (( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ))[الإسراء:24]، أرأيت كيف يفعل الطائر مع صغاره عند شدة البرد أو شدة الحر أو حال نزول المطر؟! إنها ذات الصورة التي أشار إليها القرآن، وهي التي ينبغي أن يقوم بها أهل الإيمان مبالغة في الشفقة والإحسان.

ونحن في الحقيقة نبشرك بما أنت عليه وندعوك للمزيد من البر والشفقة عليها، ونحذر إخوانك من عواقب ما يقومون به من عدوان على الوالدة، وليتهم علموا أن الجزاء من جنس العمل، ألا يتقون الله؟ ألا يخافون أن يشل تلك الأيادي الآثمة؟ ألا يخافون من دعاء الوالدة عليهم؟ فإن الله يمهل ولا يهمل وكل يجازى بما عمل، وكما تدين تدان.

وهذه وصيتي للكل بتقوى الله، ثم بزيادة البر للوالدة لأنها في أيام ضعفها، واعلمي أنك مأجورة على صبرك عليها، ونسأل الله أن يسهل أمركم وأمرها، وأن يلهم إخوانك الرشاد، وأن يعيذهم من شرور أنفسهم ومن سيئات أعمالهم.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً