الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما مواصفات الرجل الذي تنصحوني بالتزوج به؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكم لجهودكم الجبارة، وجزاكم خير ما يجزي به عباده المحسنين، وأدامكم ذخراً للإسلام والمسلمين.

أنا فتاة سأبلغ من العمر بعد أشهر 33 عاماً، وأسكن في فلسطين المحتلة منذ سنة ونيف تقريبا، تعرفت بشاب في أحد المواقع المحترمة للزواج، يقطن في أميركا، وأصله من فلسطين "الضفة" تكلمنا قليلاً على النت ثم أحسست أنه صادق فعلاً، وأنه يريد الزواج، إلا أنه كان متزوجاً من أمريكية لغرض الجنسية، بدون علمها لمصلحته.

انتظرته وكان يحاول أن يتقي الله كثيراً فلا يتحدث معي إلا قليلاً، بعد أن أخبرت أهلي بالموضوع، والآن وقد شارف الوقت على الانتهاء فهو بصدد أيام يحصل على الجنسية ويطلق الفتاة الأمريكية التي بحسب ادعائه أنه عرض عليها الإسلام مراراً وتكراراً إلا أنها رفضت.

هذا الشاب يكبرني بسنة، ويتصف بخلق ودين، وليس بشهادته إنما أقول ذلك بمعرفتي به التي تساوي حوالي سنة ونصف تقريباً، وبشهادة من يعرفه من البلاد، وبشهادة من يعرفه في أميركا، ولكن ما في الأمر أنني أصبحت أشعر بالملل من ناحية، وهو يقول لي لكي لا تملي اشغلي وقتك كثيراً بذكر الله.

من ناحية أخرى قد تقدم لي شاب من بلادنا عن طريق جماعة محترمين، لكن هذا الشاب مطلق، ولديه ولد يعيش مع طليقته، وفهمت أنه صاحب خلق ودين أيضاً.

مع العلم تقدم لي الكثير من الشباب منهم أصحاب الدين ومنهم دون ذلك، لكن كنت أرفض لأني رسمت في فكري أن لا مثيل لذاك الشاب الذي يقطن في أميركا.

الآن ومع إصدار قوانين صارمة بصدد الجنسية "الإسرائيلية" لعرب الداخل من قبل الاحتلال، أخاف إن تزوجت بذاك الفلسطيني الأمريكي أن أفقد جنسيتي، وأن لا أعود أرى أهلي، لأنه سيكون مزدوج الجنسية أيضاً جنسية فلسطينية وأيضا أمريكية، وحتى لو تزوجته بجنسيته الأمريكية فحسب الاحتلال الإسرائيلي يبقى من أهل الضفة، ولا يعتبرون أي جنسية أخرى إلا أن يتنازل عن إحدى الجنسيات، وهم يهمهم أن يتنازل عن جنسية الضفة أو فلسطين.

هذه هي سياسة الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ أن عرفت هذا الشاب وأنا أستخير يومياً تقريباً في كل وقت، وأشعر أني مرتاحة لهذا القرار، وأرى أن سعادتي الحقيقية مع هذا الشاب، لأن أهدافنا متشابهة.

سبحان الله أهلي الذين لا يؤيدون أن أذهب بعيدا وافقوا على هذا الشاب فوراً ورحبوا به، والآن أنا أستخير بشأن الاثنين الشاب من أميركا وابن بلادي الآخر.

قد أصبح هوس فقدان الجنسية يلازمني، وأخاف أن أفقدها ولا أعود أرى أهلي! مع أني متيقنة أن النصر آت لا محالة، وأن الاحتلال زائل، إلا أني أخاف أن يكون ليس بزماني، وأخاف إن رزقني الله بأولاد أن يبقوا العمر كله في أميركا، ولا يعودون لفلسطين أبداً، وإن كتبت لكم من باب الاستشارة، فما ندم من استخار وما خاب من استشار"

أفيدوني بنصيحتكم وبارك الله فيكم وجزاكم خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ محتارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكما يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يشرح صدرك إلى كل خير، وأن يتخير لك الخير من هذين الشابين وأن يرزقك أحسنهما ديناً وخلقاً، وأنفعهم لك في دينك ودنياك.

بخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريم الفاضلة- أنه مما لا شك فيه أن ارتباط الإنسان بأرضه الإسلامية أمر مهم وعظيم، وأن الحرص على ذلك أمر تشكرين عليه، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجزيك على ذلك خيراً، ولكن الظروف الصعبة التي يعيشها إخواننا أيضا تقتضي أن يكون هناك مخرج، وأعتقد أن انتساب الإنسان لجنسية مثل الجنسية الأمريكية مادام لا يضيق عليه في دينك هذا أمر قد يكون فيه بعض القوة، لكن تستطيعين أن تتواصلي مع أهلك بصورة أفضل من الوضع التي أنت عليه الآن.

هذا في تصوري واعتقادي، ومن هنا فإني أقول إن قضية فصل الجنسية ليس بقضية كبيرة، خاصة إذا كان الإنسان يعيش مضيقاً عليه في رزقه ودينه، ومضيقاً عليه في معاشه ومضيقاً عليه في حياته، فهو من حقه أن يبحث عن بلد يجد فيها دينه، ويجد فيها دنياه، ولذلك نص العلماء على أن من الأسباب التي تجوز معها الهجرة أن يكون الإنسان مضيقاً عليه في دينه كما قال الله تعالى {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها}.

الآن أمريكا رغم أنها بلد في الأصل أنها غير مسلمة إلا أن المسلمين يتمتعون هنالك بمساحة هائلة جداً من الحرية في ممارسة دينهم وشعائرهم الإسلامية، وفي التزامهم بالحجاب، وفي إقامة الدين بطريقة قد لا تصدقين إذا قلت لك إنها لا توجد لا في فلسطين ولا في غيرها من دولة العالم العربي والإسلامي، لأني كثير التردد حقيقة على بلاد أوروبا، وأرى أن الإخوان هنالك أصحاب الرسالة وأصحاب الهدف في الإسلام يعيشون حياة يطبقون فيها الدين تطبيقاً رائعاً، قد لا يستطيعون أن يطبقوا ربعه في بلاد الإسلام أو العرب الأصلية مع الأسف الشديد.

أنا أرى أن الهاجس الذي يعمل في دينك مسألة عدم العودة إلى أهلك أرى أن هذه مسألة ليست بهذه الدرجة، وأنه من ممكن أن تعودي إليهم -بإذن الله تعالى- زيارة في أي وقت، وخاصة أنك بعد فترة من الزمن بعد حصول زوجك على الجنسية ستستحقين الجنسية أنت كذلك أيضاً وتستطيعين التحرك في بلاد العالم بحرية على اعتبار أن أمريكا كما تعلمين ما لها من الشأن الآن.

أرى بارك الله فيك أن لا تضيعي هذه الفرصة بهذه الأفكار التي هي رائعة، ولكن أقول إنها ليس أهم من الدين، وليس أهم من أن تعيشي حياة كريمة، كما تستطيعين أن تربي فيها أبناءك تربية إسلامية طيبة، ويخدمون الإسلام، سواء كان ذلك من أمريكيا أو كان ذلك من فلسطين، لأننا لا نعلم من أين يأتي النصر، ولا نعلم من أين يأتي الفتح، فقد يمن الله عز وجل على مسلمي الغرب وأمريكا بأن يكونوا كثرة، وأن يكونوا قوة مؤثرةً وفاعلةً، ويأتي النصر على أيديهم للمسلمين في بقاع الأرض، لأن أمريكا الآن وأوروبا حبلى بالإسلام كما ذكر كثير من أهل العلم.

لكن المشكلة أن كثيرا من المسلمين لا يستشعرون هذا الحس الإسلامي الرائع، الذي يجعلهم يعتزون بهويتهم وانتمائهم الإسلامي العظيم، وعليه فأقول لك أختي الكريمة الفاضلة ما دام هذا الأخ متوفرة فيه الصفات الشرعية التي قد بينها لنا الإسلام، ونص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه رجل ناجح في حياته، وأنه ليس عالة على المجتمع الأمريكي، لأن كثيرا مع الأسف الشديد من العرب لا يعملون في أمريكا، ولا في أوروبا، ويعيشون على المساعدات الاجتماعية، فهم عالة على هذه الشعوب، وبالتالي موقفهم في خطر.

أما إذا كان الرجل صاحب مهنة، ويعمل عملا جادا، ويتقاضى راتبا معقولاً يستطيع به أن يوفر لك حياة كريمة، وصاحب دين وخلق فأرى أن تتوكلي على الله وأن تعودي إن شاء الله تعالى أنت وأبناؤك فاتحين فلسطين من داخل أمريكا، لأننا قد يظل الوضع في فلسطين على هذا الحال، على هذا الذي عليه عشرات السنين في المستقبل -والله أعلم- لأنه لا يوجد جديد تحت الشمس، وكما تعلمين أن التضييق كل يوم يشتد على أبناء فلسطين، ولعل أبناء فلسطين الذين خارجها يكونون أقدر تحقيقاً لنفع فلسطين وعلى استردادها من المكبلين بالقيود والسلاسل في داخلها.

أرى بارك الله فيك إذا كان هذا الأخ متوفرا فيه صفات الشرعية، وأنه ناجح عملياً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) وقال صلى الله عليه وسلم أيضا كما ورد في الحديث: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج )، والباءة هي القدرة -حفظك الله تعالى- على الحياة الزوجية بشقيها، النفقة المالية والقدرة على العدل وإعطاء الزوجة حقها في الفراش.

كذلك أيضاً حقوق المرأة وحقوق الأبناء وغير ذلك، فأنا أرى مادام هذا الأخ بهذا المستوى أن تتوكلي على الله، وتستعيني بالله عز وجل، خاصة وأن أهلك وافقوا عليه، رغم أنهم كانوا يرفضون فكرة الخروج خارج فلسطين، إلا أنهم رحبوا ووافقوا فأرى أن تتوكلي على الله، وأن تستعيني بالله وأن تخرجي من داخل هذا الإطار الضيق في فلسطين إلى العالم لكي تحملي رسالة الإسلام أولاً، ثم رسالة استرداد بلدك لأنك سوف تقومين من هنالك بتربية أبنائك تربية متميزة وإسلامية راقية ومحافظة على اللغة العربية وعلى هويتك الإسلامية، سوف تكونين أقدر بإذن الله تعالى على نفع أهلك في فلسطين وأقدر على استردادها أو المساهمة في ذلك بإذن الله تعالى.

أسال الله يشرح صدرك للذي هو خير وأن يوفقك إلى كل خير وإنه جواد كريم، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً