الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفض الخاطب بسبب انفصال والديه

السؤال

الإخوة الأكارم في موقع الشبكة الإسلامية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته!

مشكلتي التي أرجو الله أن تساعدوني في حلها هي كالتالي :

أعجبت بفتاة التقيت بها عن طريق الصدفة! وأعجبني فيها خلقها، وخجلها، ودينها الذي أظنها عليه، ولا أزكيها على الله! لم أتردد، ولم أقف للحظة واحدة، وطلبت منها أن أقوم بخطبتها؛ فأعطتني رقم بيتها، وطلبت مني التقدم إلى خطبتها من أهلها، وبهذا ارتفعت تلك الفتاة في عيني؛ وذلك لأنها فتاة صالحة، تعرف الطريق الصحيح لنهاية أي إعجاب، ولله الحمد!

وبعد أن أرسلت والدتي إليهم أعجبت والدتي بالفتاة أشد الإعجاب! وزكتها لي مادحة إياها، مثنية على اختياري! ولقد لاقت تلك الفتاة في قلب والدتي - ولله الحمد - قبولا ومحبة، ولقد سررت بذلك! فأنا الشاب الوحيد لوالدتي، وما لها غيري! وبهذا انشرح صدري وقلبي للموضوع، وطلبت من أمي العمل على إتمامه! وذلك طبعاً بعد أن قمت بصلاة الاستخارة، وشرح رب العالمين صدري للموضوع أيما انشراح!

لن أطيل عليكم! فلقد قوبلت بالرفض من والدة الفتاة؛ لأسباب أريد رأيكم فيها! قال أولاً - بأن والدتي ووالدي مطلقان، علماً أن المشاكل بين والدي ووالدتي كانت مشاكل لا علاقة لها بشخصهما، ولكن اختلاف في الطباع، والعادات، وطريقة المعيشة أدت إلى هذا الانفصال، وحتى الآن لا أعلم ما دخلي أنا بانفصالهما! هل هذا يعني أني سيء - لا قدر الله -! قد أتقبل أن يقول أن انفصالهما أدى إلى جعلي ولداً اتكاليا، أو ما شاكل ذلك، أما وأن أتقبل انفصالهما بأسلوب حضاري، وألا يؤثر علي ذلك، بل على العكس جعل مني إنساناً معتمدا على نفسه! وحتى الآن - ولله الحمد - أبي وأمي راضيان عني تمام الرضا! ووضعي الخلقي والمادي ممتاز، ولله الحمد!

السبب الثاني - قال أني من مدينة غير المدينة التي ينتمي إليها، علماً أني مقيم في المدينة التي ينتمي إليها، ولا أنوي الاستقرار بعد أن أعود من غربتي إلا فيها! وأسباب أخرى واهية!

ملاحظة: قمت بالاتصال بالرجل، ورجوته أن يسأل عن أخلاقي، وديني! وأرسلت إليه رسالة فيها عناوين كل من يعرفني؛ عله يسأل عني؛ فيطمئن قلبه! ولكن للأسف، لم يفعل ذلك إطلاقاً على ما أظن، مع أن ابنته جميلة، وقد يتقدم إليها ألف شخص؛ فلم يعذب نفسه، ويسأل عني ما دام السببان اللذان ذكرتهما موجودين!

آسف لأني أطلت! ولكني أعاني من الحيرة في هذا الموضوع! لذا أرجو المسامحة! قد تكون إشارتكم أن أخطب غيرها، ولكن - يا أستاذي الكريم - كيف أستطيع أن أخطب غيرها، وأنا أرى في قلبي إعجابا بها، وارتياحا!؟ ولقد وصلتني أخبار من صديقة هذه الفتاة أنها أيضاً تملك نفس الشعور بالنسبة لي، حاولت أن أنساها، ولم أستطع!

سؤالي : هل رفض والدها لي من دون السؤال عني حق له؟ وهل من سبيل تدلونني عليه؛ كي أقنع والدها؛ لأني والفتاة في حيرة من أمرنا، علماً أني لم أتصل بها، ولم أكلمها إلا بالحلال، وبكلام عادي جداً، ولا لبس فيه إن شاء الله، ولكنها أيضاً لا تريد الزواج بغيري، ولكنها تخشى من أبيها! ولا تستطيع معاندته! وهذه ميزة لها؛ لأني لا أريد للفتاة التي أخطبها أن تكون عاقة، أو عاصية لوالديها!

أشيروا علي! جزاكم الله، ووفقكم إلى كل خير!

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نسأل الله العظيم أن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يلهمنا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا.

فإن إعجابك بأخلاق الفتاة ودينها وبرها لوالدها دليلٌ على أنك تنظر إلى مقاييس الخير وصفات الجمال، ولا شك أن هذه هي الأشياء التي تبقى، وما عداها من جمال جسد أو كثرة مال أو رفعة نسب لابد أن تزول، وقد تكون أسباباً للشقاء إذا لم يصاحبها إيمانٌ وخوفٌ من الله.

فشكراً لك على هذه النظرة، وشكراً للفتاة على طلبها منك التقدم إلى أهلها، فلا خير في رباطٍ بين رجل وامرأة لا تحكمه آداب هذا الدين، الذي رفع من شأن الفتاة، فجعلها مطلوبة غالية تبذل من أجلها الوجاهات والأموال، وحفظ الإسلام للرجل حقه في معرفة الأصول التي تنتمي إليها البنت، والنساء يلِدن أشباه إخوانهن وآبائهن.

ويؤسف الإنسان أن يقول إن كثيراً من الآباء لا يزال يجهل الحكم الشرعية في جعل الولي صاحب كلمة في تزويج بناته، بل هناك من يستخدم هذا الأمر في إلحاق الضرر ببناته حين يرد الأكفاء لأسباب واهية، ودون اعتبار لرأي الفتاة الذي هو الأصل؛ لأنها هي التي سوف تعيش مع الرجل وليس الأب أو الأم، وينسى أمثال هؤلاء أنه قد يختار لفتاته فستاناً لترتديه، ولكنه قد لا يحسن اختبار رجل لابنته؛ لأن (الأرواح جنودٌ مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)، ولا شك أن الفرق كبيرٌ بين ثوب ترتديه الفتاة وتنزعه متى ما أرادت، وبين شريكٍ سوف يمضي معها خلال مسيرة الحياة بحلوها ومرها.

وقد أحسنت حين طلبت من الرجل أن يسأل عنك، وهذا دليلٌ على ثقتك بنفسك، وأرجو أن تجد من أهل الخير من يتكلم نيابةً عنك ويقدمك لهذا الرجل، وعليك بالتوجه إلى الله ليكتب لك التوفيق، فإن الخير بيده سبحانه، وعلى الفتاة كذلك أن تُعلن عن رغبتها في الارتباط بك لوالدتها ولأرحامها، وسوف تجد فيهم من يجند نفسه لإقناع هذا الأب بطريقةٍ تحفظ للأب مكانته، ويحفظ للفتاة حقها في اختيار رفيق دربها.

ولا شك أن الخلافات الزوجية تؤثر على الأبناء إذا لم يُحسن الآباء التعامل معها، أما إذا حرص الوالدين على حسن إدارة الخلاف، فإن التأثير يقل جداً، وقد ينعدم إذا كان الأبناء كبار في السن، والطلاق الناجح هو الذي يأتي بعد تخطيط واتفاق على زمنه، واقتناع بالأسباب التي أوصلت إليه، مع التخطيط والاتفاق على مسائل النفقة والرعاية للأطفال، وغرس معاني الحب للوالدين في نفوسهم، وهذا دورٌ مشترك يقوم به الأب والأم، وقد سعدت لفوزك برضا والديك رغم حدوث الطلاق، والعاقل دائماً ينظر إلى الرجل الذي أمامه، وقد نجد رجلاً في أسرةٍ متماسكة ولكن مع ذلك اتكالي ومنهزم وضعيف، بل إن كثيراً من العظماء ربتهم أمهات صالحات، وقد قال العلماء عن الإمام الأوزاعي الذي نشأ يتيماً: (لقد ربته أمٌ صالحة عجز الملوك والخلفاء أن يربوا أولادهم مثل تربيتها) فالعبرة –بعد توفيق الله– باجتهاد أهل الطفل في تربيته، وعلى الآباء أن يتقوا الله في بناتهم، فلا يردوا الأكفاء، ومن حقه أن يعرف دين الخاطب ويتوسع في السؤال عنه، ويراعي مشاعر ورغبات فتاته، التي ربما لا تجد من يسعدها إذا فاتها هذا الخاطب.

والصواب هو ما ذهبت إليه، فلا يجوز للإنسان أن يكلم امرأةً أجنبية أو يخلو بها إلا في حضور أحد محارمها، ومن الضروري أن يكون ذلك الحديث فيما يرضي الله سبحانه، ويحسن بك في هذه الفترة أن تترك الحديث مع هذه البنت، ويمكنك معرفة أحوالها ورأيها عن طريق محارمك من النساء، ويمكن للوالدة أن تكرر الزيارة، وأن تعرفهم بنفسها وأسرتها، والأفضل أن يظهر دور والدك أيضاً، وهذا بلا شك له أثرٌ في إتمام رغبتك في الارتباط بتلك الفتاة، ولا بأس من مشاركة بعض الفضلاء الوجهاء في زيارة ذلك الرجل حتى تزول المخاوف التي في نفسه.

والمؤمن يعرف أن كل شيء بقضاء وقدر، ولن يحدث في كون الله إلا ما أرده الله، وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً.

وإذا بذل الإنسان ما عنده، واتخذ الأسباب المناسبة، فعليه أن يرضى بالنتائج، (وعجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن).

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • العراق علي كاظم

    التعليق الذي سبقني رائع جدا وصاحبه اروع واتمنى ان اتعرف على صاحب التعليق لان انسان مثقف بحق

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً