الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الخوف من الموت يفسد علي حياتي

السؤال

السلام عليكم.

بداية: أشكركم جزيل الشكر على هذا التميز الرائد، فكم أنتم مبدعون، زادكم الله من فضله، ولا حرمكم صدق دعواتنا.

منذ 25 يوما تعبت فجأة وأنا في الشغل، وزادت ضربات قلبي، وأحسست بضيق في التنفس، وضيق في الحنجرة، وقبلها بليلة استيقظت علي خوف وسط نومي، لا أذكر لماذا، وعندما حدث هذا الخفقان عرضت نفسي على دكتور، وقال لي إنه شيء انفعالي وليس بي شيء، ومنذ هذا اليوم وأنا في بكاء شديد وخائفة من الموت، وخائفة من البعد عن أهلي عند موتي، وأصبت بانسداد في الشهية، وتأتيني خيالات بأني سأموت الآن، وعندي إحساس دائم بالخنقة، وأن هناك شيئا يخنقني أو عالقا في حنجرتي وصدري يحترق.

أستغرق التفكير فيما مضى من أحداث موت سابقة، وأفكر أني قد أفارق الحياة في أي وقت، وربطت كل هذا بمقولة أن المحتضر يشعر بوقت وفاتة قبلها بـ 40 يوما، تعبت من هذا الشعور! وأكثر ما يؤلمني الآن هاجس يقول: إنك ستموتين، كل مرة أسمعه في ذلك المكان، فإذا ذهبت للمدرسة يقول: (ستسقطين وتموتين)، وإذا نمت يقول ذلك في الليل.

أنا الآن أعاني من الأعراض الآتية: حرقان بالصدر في فترات، وألم بالكتف اليمنى خفيف، وأشعر بوجود شيء في حلقي لا أعلم ما هو، وسرعة نبضات القلب تأتي كل فترة ليست مستمرة، وبرودة بالأطراف، أخاف كثيرا من الموت، وأعاني من القولون العصبي، وكثير من الناس يقولون هذا قولون، ولكن أنا أقول ليس معقولا أن تكون هذه أعراض قولون، بل هي أعراض بداية الموت، فقدت بعض وزني رغم أنني آكل جيدا -ولله الحمد- لكني أفكر كثيرا.

أنا إنسانة كنت أفعل ذنوبا كثيرة، لكني كنت ألجأ إلى الله في كل مرة أن تبتعد هذه الذنوب عني، وفي هذا اليوم الذي حدثت حضرتك عليه كنت سوف أقوم بذنب، لكن ما حدث لي أفاقني أن أبتعد عن هذا الذنب، ولم أعد لهذه الذنوب من وقتها أبدا، وتقربت أكثر من الله بالصلاة، والتصدق، والأذكار، والدعاء، وقراءة القرآن الكريم.

صفاتي: إنسانة محبوبة في العمل كثيرا، أحظى بكثير من الاحترام عند أهلي -ولله الحمد- لكني كتومة، ومليئة بالهموم والأحزان، مرَّت الكثير من الأمور الصعبة بحياتي -ولله الحمد على كل حال- وأكتمها.

أرجوكم أفيدوني، وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رنا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والشفاء.

الذي تعانين منه يُسمَّى بنوبات الهرع أو الفزع أو الهلع، والهرع والفزع يأتي بهذه الصورة المفاجئة، قد يبدأ بتزايد في ضربات القلب وشعور شديد بضيق التنفس، وظهور كتمة، وربما شيء من التعرّق وأحاسيس جسدية مختلفة، والإنسان يأتيه شعور بالهلاك أو بدنو الموت. هذا هو الفزع والهلع والهرع، وهو كثير جدًّا في هذا الزمان، يظهر أن ذلك مرتبط بتقلبات الحياة وصعوباتها وضعف يقين الإنسان وربما إيمانهم أيضًا.

عمومًا: الحالة بسيطة حتى وإن كانت مفزعة، الأمر لا علاقة له بالموت، الموت قضية محسومة تمامًا، ما يُقال للإنسان أنه يشعر بموته قبل أربعين يومًا ليس له أساس شرعي، كلام تتداول بين الناس وسبَّب الكثير من الأوهام للناس، {وما تدري نفس بأي أرض تموت}، {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرتُ من الخير وما مَسني السوء}، {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر}، هذه حقيقة أبدية، لا يعلم أحد متى يموت وأين يموت، لكنه يعلم أنه سيموت لأنها سُنّة الحياة وسُنَّة ماضية في كل حيٍّ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه تُرجعون}، والآجال بيد الله تعالى: {لكل أجل كتاب} فعيشي حياتك بقوة وإيمان واستمتاع، واعملي لآخرتك.

توبتك من الذنوب يجب أن تكون توبة نصوحًا، ويجب أن يكون الإقلاع عن الذنب والندم وعدم العود هي الأسس للتوبة النصوح. أسعدني أنك تحافظين على صلاتك وأذكارك وتلاوة القرآن، لكن النقاء التام من الذنب أساس لابد أن يتوفر، فعلٍ لا قول، فليس الإيمان بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فعليك بالتوبة عملاً وإقلاعًا عن الذنب، وأيضًا باللسان (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك (أمَتك)، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلَّا أنت) توبة سيد الاستغفار.

أختي الكريمة: الخوف المرضي من الموت لا داعي له أبدًا، لكن الخوف الشرعي مطلوب، بل مرغوب، وأساسه قوله -صلى الله عليه وسلم-: (اذكروا هادم اللذات) يعني الموت، (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فالآن فزوروها) لأنها تُذكّر بالموت، وقد قال الله تعالى: {بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى}، {كل نفس ذائقة الموت}.

أريدك أن تذهبي إلى طبيب نفسي إذا كان هذا الأمر ممكنًا، وإن لم يكن ممكنًا أقول لك فقط: تجاهلي هذه النوبات، مارسي رياضة يوميًا، وبكثافة، أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة سوف تكون ممتازة، طبّقي تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس المتدرّج مهمَّة جدًّا، يمكن أن تتعلّميها من خلال الإنترنت، وإسلام ويب لديها استشارة رقم (2136015) أوضحنا فيها المعلومات المهمة حول تمارين الاسترخاء وكيفية تطبيقها، كما أنه توجد كتب كثيرة في المكتبات ووسائل توضح كيفية تطبيق هذه التمارين.

الحمد لله تعالى أنت لديك ميزات إيجابية كثيرة جدًّا، ويجب أن تكون منطلقًا لك لمزيد من الإيجابيات في كل مناحي حياتك، على مستوى التفكير، وعلى مستوى المشاعر، وعلى مستوى الأفعال.

أنت محتاجة لدواء بسيط وسليم وغير إدماني يُسمَّى استالوبرام، وهذا هو اسمه العلمي، واسمه التجاري (سبرالكس). في حال لم تذهبي إلى الطبيب أنا سوف أوضح لك الجرعة، والدواء لا يُسبب الإدمان، ولا يؤثّر على الهرمونات النسائية، فقط ربما يفتح الشهية قليلاً نحو الطعام، وفي هذه الحالة يجب أن تتخذي التحوطات اللازمة حتى لا يزيد وزنك فوق ما هو مقبول.

ابدئي السبرالكس بجرعة نصف حبة - أي خمسة مليجرام - من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام - تناوليها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلي الجرعة حبة واحدة - أي عشرة مليجرام - يوميًا لمدة شهرٍ، ثم اجعليها عشرين مليجرامًا يوميًا لمدة شهرين، ثم اجعليها عشرة مليجرام يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم خمسة مليجرام يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.

أسأل الله تعالى أن ينفعك بالدواء وبما ذكرنا لك من إرشاد، وأن يشفيك ويعافيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً