الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر أن أمي تغار من زوجتي ولا تحب أولادي، فهل هذا طبيعي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أمي لا تحب زوجتي وتغار منها كثيرا، وإذا رأتها تدللني أو تعتني بي في أي شيء تقوم وتصطنع لي المشاكل لتثبت أنها تحبني أكثر من زوجتي، رغم أنها تحب شقيقتي أكثر مني، وتتحسس من أي كلمة أقولها، وتسيء الظن بي وتخاصمني ولا تكلمني لعدة أيام، وإذا تكلمت معها بكلام تفسره على هواها حتى لو كانت نيتي سليمة، بعكس شقيقتي وزوجها تعاملهم بكل حب واحترام.

وألاحظ أنها لا تحب أولادي مثلما تحب أولاد شقيقتي تدللهم وإذا رأتهم تستقبلهم وتعانقهم، على عكس أولادي لا تهتم بهم، وإذا مروا من أمامها لا تبالي، فماذا أفعل؟

بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أخي الكريم- محمد وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:

هنيئا لك هذا الحب الكبير من والدتك والذي لا تشعر به أنت، فأمك تحبك أكثر مما تحب أختك وإن كانت تحبها كذلك، ولكن حبك أكثر وأكبر، والمشكلة ليست عندها بل هي عندك لكونك لا تشعر بهذا الحب الكبير.

غيرة والدتك من تدليل زوجتك لك لم ينشأ من فراغ وإنما نشأ من حبها وإن كنت تعتبره غيرة محضة، فالغيرة لا تنتج إلا من الحب، فهي تحبك أكثر من زوجتك، لكنك تنفر من ذلك الحب ولا تعرف كيف تتعامل معه، ولا تقترب من صاحبه وتبادله نفس الشعور.

مشكلتك ليست في أمك وإنما فيك؛ لأنك نفرت من حبها وصرت تتهرب منها وتتهمها بأنها تفتعل المشاكل لتبين أنها تحبك أكثر من زوجتك.

إن افتعالها لما تسميه بالمشاكل ناتج عن قلة اهتمامك بوالدتك وبعدك عنها، فهي تشعر بأن زوجتك سرقتك منها، وأن تعاملك الذي كان معها قبل الزواج لم تعد تشعر به، وأنك صرفت اهتمامك لزوجتك وأبنائك، ولذلك تفعل ما تفعله لتلفت نظرك لعلك تفهمها، والمؤسف أنك لم تفهم قصدها ومرادها.

أخي الحبيب، هذه أمك التي حملت بك تسعة أشهر وعانت ما عانت من حملك، ثم عانت أشد المعاناة حين وضعتك، ثم ربتك وأرضعتك وسهرت الليالي بجوارك في صحتك ومرضك، إنها والدتك التي كانت تغسل أذاك ولم تتأفف منه يوما ما، إنها والدتك التي كانت تصنع طعامك وتغسل ثيابك وتجهد نفسها من أجل راحتك وسعادتك حتى تزوجت، فهل تكافأ بأن تتهمها بأنها لا تحبك وأنها تفتعل لك المشاكل، فهل يعقل بعد كل تلك التضحيات أنها لا تحبك؟! وهل تظن أن قلبها لم يعد قلب الأم التي تفديك بروحها.

أخي الكريم، أوصيك أن تلتفت لوالدتك وتبين لها -بأفعالك- أنك كنت مخطئًا حيث أهملت الاهتمام بها وانشغلت عنها، يجب عليك أن تبين لها حبك، استمع لها، واصغ لتوجيهاتها، ولب طلباتها وستجد أن السعادة تعود لقلبها ويتضح ذلك في أسارير وجهها، قدم لها الهدايا والمال فهي تستأهل ذلك وأكثر، فأنت لا تستطيع أن توفيها حقها مهما فعلت لها.

إن كنت قد علمت أن سبب ما سميته غيرة أمك هو تدليل زوجتك لك فعليك أن توجه زوجتك إن كانت تحبك حقا أن لا تفعل ذلك أمام والدتك؛ لأن ذلك يغير شعورها ويؤلم قلبها، فلتفعل ذلك في حال عدم رؤية والدتك، ومن جهة أخرى على زوجتك إن كانت تحبك أن تقترب من والدتك وتتعامل معها كما تتعامل مع أمها، وتساعدها في أعمال المنزل إن كنتم تسكنون في بيت واحد أو في مبنى واحد، وإن كنت بعيدا فاجعلها تتواصل معها وتنظر في حاجتها، وإن زرتموها فلتقم بالعمل في بيتها كأن تنظف المطبخ، وترتب الأثاث وغير ذلك من الأعمال، وعليها أن تستفيد من خبرتها وتكثر من استشارتها في أمورها حتى لو كانت ليست بحاجة لذلك، لكن مجرد الاستشارة يشعرها بأنها تحترمها.

لا تقل إن والدتك لا تحب أولادك ولكن ذلك من جملة الأفعال التي تريد أن تلفت نظرك بها، فوالدتك على يقين بأن أبناءك هم أبناؤها الحقيقيون لأنهم أبناء ابنها، وأما أبناء أختك فهم أبناء رجل أجنبي وإن كانوا أولاد ابنتها.

عليك أن تعلم أبناءك كيف يتعاملون مع جدتهم بحيث إذا جاؤوا سلموا عليها وقبلوا يدها ورأسها، وعلمهم كيف يرسلون إليها الرسائل التي تشعرها بمحبتهم، كأن يقولوا لها نحن نحبك يا جدتي ونشتاق إليك ووو إلخ ذلك، وعلمهم كيف يجلسون مؤدبين في البيت ولا يحدثون فوضى أو يعبثون بمحتوى البيت فذلك يجعل والدتك تحبهم.

لو نظرت في تعامل أختك مع أمك فستجدها تشعر والدتها بالقرب منها، وتتحبب لها بالكلام العاطفي، وتشعرها بأنها لا تزال مرتبطة بها، وهذا من جملة الأسباب التي ينمي الحب ويبقي شجرة العلاقة خضراء باسقة، فعليك أن تراقب وتستفد من ذلك حفظكم الله.

إن كنت تسكن مع والدتك في شقة واحدة أو في عمارة واحدة ففي حال عودتك إلى البيت ابدأ بالدخول إلى بيت والدتك حتى ولو كان معك أشياء لبيتك، واجعل والدتك تأخذ ما تشاء، فإن رفضت فضع لها من ذلك بطيبة نفس، وسترى كيف ستصبح والدتك بعد ذلك.

في حال زيارتك لوالدتك لا تدخل البيت خالي اليدين بل خذ لها ما ترى أنه يسرها سواء كان ما يخصها شخصيا أو ينفع البيت بمن فيه، والدتك تحس بفراغ في صدرها ونفسها، وهذا الفراغ يحتاج منك أن تملأه، فإن ملأته ستجد من والدتك تغيرا في تعاملها معك ومع زوجتك وأولادك.

لا تظن أن والدتك كبرت عن كلمة أحبك يا أمي وأنها لا تحتاجها، ولا تظن أن والدتك ليست بحاجة لأن تقبل يدها ورأسها بل ورجلها، بل لا تظن أن والدتك لا تود أن تضع رأسك في صدرها أو في حجرها، إن هذه الأمور تشعر الأم بأمومتها وتشعرها بحنان ولدها وحبه إنها بحاجة لكي تخفض لها جناح الذل، وأمعن النظر بكلمة الذل من الرحمة.

أكثر لها من الدعاء في وجهها وفي غيابها خاصة في سجودك فهي أحق من دعوت لها، ولعلك لن تحس بقيمة الأم إلا حين ترى معاناة زوجتك من أبنائك أو في حال فقدها.

اجتهد في نيل رضاها بالطريقة التي تراها هي فرضاها خير من الدنيا وما فيها، فهي بابك إلى الجنة، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في الأم: (الزم رجلها فثم الجنة).

بعض الأبناء يغرقون في حياتهم مع زوجاتهم وأبنائهم وينسون والديهم وهذا أمر معيب، وإغراق في بعض الأمور على حساب البعض الآخر، والواجب أن يكون المؤمن متوازنا في حياته فيعطي كل ذي حق حقه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك ـ ضيفك ـ عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه)، وهكذا عليك أن تؤد حق والديك.

والداك أصل رحمك، وهم يحتاجون لزيارتك بشكل يومي ما لم يكن ذلك مشقة عليك، فإن كان فيه مشقة فليس أقل من أن تتصل بهم لتسلم عليهم، وتسمعهم صوتك، وتنظر حاجتهم وتطلب رضاهم ودعاءهم.

أسأل الله تعالى أن يرزقك بر أمك، وأن يوفقك لنيل رضاها، ونسعد بتواصلك في حال أن استجد أي جديد في حياتك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً