الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي وساوس وخوف من الموت ومن الجنون

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عمري 23 عاما، شاب انطوائي لا أخالط الناس كثيرا، تعرفت على شاب ملحد منذ 6 شهور، وتغذى عقلي من فكره للأسف، وأضعت ديني الإسلام، وأصبحت أشرب الخمر قليلا، أضف إلى ذلك أن لدي القليل من المشاكل العائلية التي أثرت علي، وهي طلاق أمي، ولكن بفضل الله رجعت للمنزل.

لدي مشكلة حدثت معي بعدها بشهور، وهي أنني استيقظت صباح يوم فكانت دقات قلبي سريعة ووجهي أصفر، وشعرت بدوخة وخدر خلف رقبتي، وذهبت للمستشفى، وأعطاني الدكتور إبرة مسكن، ووضع كيسا ورقيا على وجهي للحفاظ على مستوى ثاني أكسيد الكربون مع الأكسجين.

كان باعتقادي أنها سكتة قلبية -لا قدر الله- ومنذ ذلك اليوم، وأنا أشعر أن تركيزي ضعيف، كأنني لا أشعر بالحياة ونفسي ضيقة، وأنا في الأصل عندي نوع من الانطوائية والانعزال، لا أخالط الكثير من الناس، ودائم الإمساك بهاتفي النقال بحجة أني مشغول لكي لا يكلمني أحد.

وبعد الأحداث التي حصلت لي ذهبت لدكتور نفسي، فأعطاني مضادا للتوتر، مع زيروكسات 20 مغ، وأخذته وذهبت للعمل، ولكن مدير العمل أخذ به ورماه في القمامة، وقال لي هذا الدواء يجعلك مجنونا، ومنذ ذلك اليوم وأنا مضغوط نفسيا، أصبح عندي أرق لمدة شهر، وأنا أقاوم لكي أنام، أنظر للناس نظرة مستغرب كأنني جننت، وبدأت الوساوس تنهش رأسي نهشا.

ذهبت بعدها لطبيب نفسي آخر أعطاني دواء رسبردال وزيروكسات وكلونكس، وتحسنت حالتي 60 %، ولكن لا زلت أعاني من وساوس الماضي، وفقد نفسي، والخوف من الجنون، والخوف من الله والموت.

أريد حلا، وهل هذه الأدوية فعالة تماما؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أيها الفاضل الكريم: لديك قلق مخاوف وسواسي من الدرجة البسيطة، وأنت تفضلت وقلت أن شخصيتك أيضًا شخصية انطوائية، غير اجتماعية، وما دمت أنت مُدركٌ لذلك فيجب أن تُغير نمط حياتك وتقوم بأنشطة اجتماعية جماعية، أهمها: الصلاة في المسجد مع الجماعة، وممارسة رياضة جماعية.

وخط العلاج الثالث هو الحرص التام على أن تمارس وبإرادة قوية جدًّا ترتيب وقتك، إدارة الوقت تعني حُسن إدارة الحياة، تعني أن الإنسان يوجّه نفسه ويُوجّه ذاته، ولا يترك الزمن كي يُوجّهه، هذه حقيقةً مهمَّة وضروريّةً جدًّا، إذًا حُسن إدارة الوقت، ممارسة الرياضة الجماعية، الصلاة مع الجماعة.

وفي مجال العمل - أيها الفاضل الكريم - أريدك أن تكون شخصًا متفاعلاً بصورة إيجابية، وأرجو أن تراعي دائمًا تعابير وجهك، وكذلك نبرة صوتك، وحركة اليدين لديك، لغة الجسد مهمّة جدًّا، نبرة الصوت مهمّة جدًّا، تعابير الوجه مهمة جدًّا، وتذكر أن تبسُّمك في وجه أخيك صدقة.

هذه هي العلاجات السلوكية المطلوبة، وأنا أنصحك أيضًا بالالتزام بالواجبات الاجتماعية: مشاركة الناس في أفراحهم، تلبية الدعوات، تقديم واجبات العزاء في حالة الوفيات، المشي في الجنائز، زيارة المرضى، صلة الرحم، وأن يكون لك مجموعة جيدة من الأصدقاء والطيبين والصالحين والملتزمين.

بهذه الكيفية تكون حياتك قد تغيّرت إلى نمط إيجابي جدًّا، وهذا أفضل لك من كل دواء.

لابد - أخي الكريم - أن تُصحح عقيدتك، وألَّا تلتفت لما يقوله هؤلاء الملحدون وغيرهم، أي باب يفتح لك التشكك في دينك يجب أن تغلقه تمامًا، جالس إمام مسجدك، انضم لحلقات تحفيظ القرآن، وحرصك على الصلاة لا بد أن يكون له أسبقية في حياتك، الذي لا يُصلي لا فائدة فيه، ولا خير فيه، ولا نفع فيه، والصلاة عماد الدين، وهي أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة.

فأنت شخص ممتاز وإيجابي فيجب أن تقتلع هذه الشوائب تمامًا من حياتك، فكّر في الزواج، تطور في مهنتك، أشياء عظيمة أمامك في الحياة، فيجب أن تكون حريصًا على ذلك.

بالنسبة للعلاج الدوائي: الـ (زيروكسات) دواء جيد، دواء فاعل جدًّا، ويمكن أن ترفع الجرعة حتى أربعين مليجرامًا في اليوم لمدة ثلاثة أشهر مثلاً، بعد ذلك تخفضها إلى عشرين مليجرامًا يوميًا لمدة شهرين، ثم تجعلها عشرة مليجراما يوميًا لمدة أسبوعين، ثم عشرة مليجراما يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، هذا التدريج مهم جدًّا جدًّا لتستقر أحوالك بصورة جيدة.

لا داع لتناول الـ (رزسبريدال) والـ (كلونكس) في نفس الوقت، أحدهما سوف يكون كافيًا جدًّا، وأنا أرى أن الـ (رزسبريدال) بجرعة واحد مليجرامًا ليلاً سيكون كافيًا بالنسبة لك، لكن أيضًا حاول أن تشاور طبيبك.

حسّن صحتك النومية من خلال تجنب النوم النهاري، ممارسة الرياضة، تجنب المثيرات التي تحتوي على الكافيين مثل الشاي والقهوة والكولا والبيبسي والشكولاتة، لا تتناولها أبدًا بعد الساعة السادسة مساءً، وكن حريصًا جدًّا على أذكار النوم والنوم على وضوء.

هذا ما أنصحك به، وإن شاء الله تعالى أنت بخير، ومن الواضح أن توجّهك أو أن نيتك هي أن تُصلح ما بك، وأسأل الله تعالى أن يوفقك.

جزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

+++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة د. أحمد الفرجابي الاستشاري التربوي والشرعي.
+++++++++++++++++++++

مرحبًا بك ابننا في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والتواصل، ونسأل الله أن يُعينك على التصويب والعودة والتوبة النصوح، واعلم بأن التوبة تجُبُّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ونسأل الله أن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

لا شك أن مسيرة التصحيح في صحتك وفي حياتك تبدأ بالتوبة النصوح لله تبارك وتعالى من الإلحاد، وننصحك بالبعد عن أمثال أصحاب هذه الشبهات وهذا الباطل، فإن الإنسان ينبغي ألَّا يُجالس أمثال هؤلاء، فالإنسان يتأثر بجلسائه خاصَّة الذين يطرحون مثل هذه الشبهات، وأرجو أن تعلم أن الإلحاد فشل في دياره وفشل في بلاده، بل إن مُعظم الملحدين في اللحظات الأخيرة أعلنوا ندمهم على هذا الباطل الذي خدعوا أنفسهم به.

فعليك أن تتواصل مع مَن حولك من الدعاة والعلماء حتى تعرف منهم دينك الحق، واعلم أن هذه التوبة النصوح لله تبارك وتعالى فيها المخرج وفيها النجاة، وفيها السعادة، فالتوبة تجُبُّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

ثم عليك كذلك بالتوبة من كبيرة شُرب الخمر، فإن هذه أُمّ الخبائث، وأم الكبائر، والذي يقع فيها لا بد أن يُصاب بعاهات وعلل كثيرة وخطيرة، بل هي أمّ الخبائث وما سواها من المنكرات قليل، فأرجو أن يكون في الذي حدث لك درس عظيم، فالسعيد من يتعظ بمثل هذه المواقف التي تمرُّ عليه، وكن مع الله تبارك وتعالى، واجتهد في أن تكون مع رفقة صالحة، ولا تأخذ الأمور بهذه السهولة، واعلم أن ما حصل منك هي أمور عظيمة جدًّا، فأنت خدشت الإيمان الذي هو أغلى ما يملك الإنسان بتأثُّرك بهذا الشاب المُلحد، نحن نريدك أن تؤثّر عليه لا أن يُؤثّر عليك هو بما يحمل من باطل.

كذلك أيضًا ينبغي أن تعلم أن صعاب الحياة والمشاكل الأسرية التي تواجه الإنسان ينبغي أن يُواجهها بمزيد من اللجوء إلى الله وبمزيد من الطاعة لله تبارك وتعالى، والاستعانة به سبحانه، والتوكل عليه سبحانه وتعالى، فإن اللجوء إلى الله تبارك وتعالى هو باب الخيرات وباب النجاح.

وأرجو أن تستفيد من النصائح التي أرسلها لك الدكتور محمد، وأنت محظوظ؛ لأن الدكتور محمد من القامات الكبيرة في علم النفس وفي التوجيه، نسأل الله تبارك وتعالى أن يردَّك عاجلاً إلى الحق والصواب، وأدركْ نفسك فإن الأمر في منتهى الخطورة، ونحن نكرر لك الشكر على التواصل مع هذا الموقع الذي يدلُّ على رغبتك في الخير، لكنّ الرغبة وحدها لا تكفي حتى تحوّلها إلى إرادة وإلى عمل، بل إلى توبة نصوح.

إذا رجعت إلى الله تبارك وتعالى، فأبشر بالخير وأبشر بالعافية، وأبشر بالتوفيق، نسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً