الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسواس الموت لا يفارقني.. ماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولا: أحب أن أشكر القائمين والعاملين على هذا الموقع، وأتمنى لكم المزيد من التقدم والازدهار.

كي لا أطيل عليكم، عمري 17 سنة، في الصف الثالث الثانوي بدأ معي شعور غريب منذ سنتين، تعبت فجأة جاءت لي حالة برد، وحرارة مرتفعة، وارتجاف شديد، سمعت صوتًا غريبًا يقول لي سوف تموت، هذه العلامات على أنك سوف تموت، تجاهلت هذه الوساوس، وكل مرة تزداد إلى أن قطعت الصلاة، وقطعت قراءة القرآن؛ لأني كلما كنت أصلي يأتيني هذا الصوت، ويقول لي سوف تموت وأنت تصلي، وأشعر بدوخة أثناء الصلاة، وعندما أقرأ القرآن أحس باختناق شديد جدا، وأنا أقرأ وأسمع نفس الصوت يقول لي سوف تموت، ويأتيني أيضا نفس الصوت عندما أنام أو أخرج مع أصدقائي، أو أمزح مع عائلتي، أو عندما أذاكر يقول لي لماذا تفعل كل هذا؟ سوف تموت، ولن تفيدك المذاكرة، ولا الضحك، ولا أي شيء إلى أن فقدت الشغف بأن أذاكر أو أذهب إلى النادي الرياضي، أو أن أفعل أي شيء في حياتي، وأحيانا أشعر بآلام في صدري.

ذهبت وعملت الأشعة وإيكو على القلب وتحليل أنزيمات قلب كلها سليمة، فيما عدا أنه طلع عندي ارتخاء في صمام القلب، الطبيب طمأنني، وقال لي سوف يتحسن عندما يكون عمرك 25 سنة، وزادت أعراض هذا الصوت الذي أسمعه يقول لي سوف تموت بضيق في التنفس وصداع وآلام في المعدة، وتقلبات في الشهية، واكتئاب شديد بعد وفاة مدربي، ربنا يرحمه ويغفر له، بحثت على جوجل فوجدت إنهم يقولون إن الإنسان يشعر بأنه سوف يموت قبل موته بـ 40 يوما، لا أعلم ماذا أفعل لقد تحولت حياتي إلى جحيم.

أرجو منكم المساعدة، وشكرا جزيلا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

أيها الفاضل الكريم: الذي تعاني منه بالفعل هو نوع من الأفكار الوسواسية القلقية، وفكرة الخوف والوسوسة تتمركز حول الموت، وهذه المشاعر سائدة جدًّا بين الكثير من الناس.

الوسواس – أيها الفاضل الكريم – يجب ألَّا يحاوره الإنسان، بل يُحقّره، والوساوس من طبيعتها إذا استرسل فيها الإنسان أو حاول أن يُحلِّلها أو يخضعها للمنطق تستحوذ عليه وتكون أكثر إلحاحًا وشدة، لذلك قال صلى الله عليه وسلم لمن ابتُلي بهذه الوساوس (فليستعذ بالله ولينته) يعني: ينتهي عن الوساوس ولا يسترسل فيها، ولا يخوض في تحليلها؛ لأنها تأتي بغيرها من الوساوس، لذا يجب أن يُقطع الطريق أمام الوسواس منذ البداية، منذ الوهلة الأولى، حين تأتي الفكرة تقاومها من خلال ثلاث تمرينات سلوكية:

التمرين الأول نسميه بتمرين (التوقف عن الفكرة الوسواسية) أو (إيقاف الفكرة)، وهو: أن تُخاطب الفكرة مباشرة: (قفي، قفي، قفي، أنتِ فكرة وسواسية حقيرة، أنا لن أهتمّ بك أبدًا، الحمد لله الذي ردِّ كيدك إلى الوسوسة) وتستخفَّ بها، وتحاول تكرار هذا عدة مرات.

والتمرين الثاني هو ما نسميه بتمرين (صرف الانتباه)، ومن خلال هذا التمرين تأتي بفكرة تكون أكثر جمالاً وأكثر فائدة لتعلو على فكرة الوسواس، مثلاً: تصوّر نفسك بعد عشر سنوات من الآن – وأنت عمرك 27 عامًا – أين أنت في الحياة؟ الحمد لله، إمَّا أن تكون في وظيفة ممتازة، أو تكون في تحضير الماجستير أو الدكتوراه، ومنخرط في عملك، وتكون قد تزوجت، هذه أفكار جميلة وليست أحلام يقظة أبدًا ... وهكذا، إذًا الإتيان بفكرةٍ تعلو الفكرة الوسواسية في نفس اللحظة؛ سوف تضعف الفكرة الوسواسية.

والتمرين الثالث هو ما نسميه بتمرين (التنفير) أي: أن يُنفِّر الإنسان نفسه من الفكرة الوسواسية، وهذا التمرين يُطبّق من خلال التالي: في بدايات الفكرة، أو يمكنك أن تستجلب الفكرة الوسواسية، وتحاول أن تتذكّر شيئًا كارثيًّا، مثلاً: حادث احتراق سيارة بشع، أو سُقوط طائرة، وتربط هذا بالفكرة الوسواسية.

أو مثلاً إذا كنت في المنزل: اجلس أمام الطاولة وقم بالضرب على يدك بقوة وشدة حتى تحس بالألم، ربط الألم مع الفكرة الوسواسية وتكرار هذا التمرين عشرين مرة متتالية سوف يُضعف الفكرة.

إذًا هذه تمارين سلوكية ممتازة جدًّا وفاعلة جدًّا إذا طُبِّقت بجدّية.

وبصفة عامة: يجب أن تُعلّم نفسك أن تُحسن إدارة وقتك، وتتجنّب الفراغ، لأن الفراغ – أيًّا كان، فراغًا ذهنيًّا أو فراغًا زمنيًّا – يستجلب الوساوس للناس، أمَّا الإنسان إذا سما بأفكاره وأحسن إدارة وقته قطعًا سوف تأتيه أفكارًا أكثر أهمية وأكثر منفعة وأكثر فائدة.

فيا أيها الفاضل الكريم: أحسن إدارة وقتك، ومن أهم الخطوات في إدارة الوقت هو أن يتجنب الإنسان السهر، ينام مبكّرًا، ويستيقظ مبكّرًا وهو نشط، تُؤدّي صلاة الفجر، وبعد ذلك مثلاً تبدأ يومك بكل إقدام وأريحية وتفاؤل، ممارسة الرياضة أيضًا نعتبرها أمرًا ضروريًّا جدًّا في مثل عمرك، وكن حريصًا على بر والديك، تُؤدّي صلواتك في وقتها، تغذيتك يجب أن تكون تغذية سليمة.

هذا الكلام الذي يُقال أن الإنسان يشعر بموته قبل أربعين يومًا: هذا الكلام لا أساس له، هكذا أفاد العلماء، وأجل الله إذا جاء لا يُؤخر، ولكل أجل كتاب، {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت}، فلا أحد يعرف يوم موته، ولا يعرف أين يموت. فتوكّل على الله، وعش حياة طيبة، واحرص على ما ينفعك ولا تعجز، واحرص على طاعة الله، {من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}.

وللفائدة راجع هذه الروابط: (2181620 - 2250245 - 2353544 - 2419484).

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً