الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثرت همومي وانتكست حالتي بعد أن نجاني الله من الحرب والحصار!

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة عمري 23 سنة، طالبة جامعية، أعاني من مشاكل كثيرة، مثل: الاكتئاب، والقلق، والتشاؤم، والخوف من المستقبل، وأقلق كثيراً عند سماعي للأخبار والحروب، وأشعر بالغربة بعدما خرجنا من سورية، وأفتقد أبي وإخوتي -رحمهم الله-، لا أدري كيف أصبر على فراقهم! عندما أتذكر كيف ماتوا أثناء الحرب أشعر بالعجز والقهر.

أخاف كثيراً من فقد أمي، أخاف أن تموت وتتركني لوحدي في هذه الدنيا.

أنا أشتاق لنفسي كثيراً، لأن عند وفاة أبي وإخوتي كنا محاصرين أثناء الحرب، تقربت إلى الله كثيراً رغم كل المصائب والقصف والفقد، لكن كنت صابرة وواثقة بالله رغم أنه كان عمري  15 سنة في ذاك الوقت.

اشتقت لخلواتي بقيام الليل، اشتقت لأنس رب العالمين، اشتقت إلى السكنية، اشتقت للراحة النفسية.

لكن بعد أن فرجها الله علينا وخرجنا من الحصار، وأتينا إلى تركيا انتكست وكثرت همومي، تركت قيام الليل والنوافل، وأصبحت أؤخر الصلوات عن وقتها، وأحياناً أنام عنها ولا أقضيها منذ سنوات، وأصلي الفجر والعشاء أحياناً.

والله إن قلبي يعتصر ألماً وأنا أكتب هذه الرسالة؛ لأنني أشعر أنني منافقة.

كنت أدعو أصدقائي للصلاة وقيام الليل، والآن أنا غارقة بالذنوب والمعاصي، كيف أعلق قلبي بالله بالشدة والرخاء؟ لأنني لا ألتجئ إلى الله إلا بالشدائد، وما زال الله لطيفا وحليما معي.

أحياناً أفكر -والعياذ بالله- أن أدعو الله بأن يبتليني بمرض قبل موتي لكي أتوب؛ لأنه في هذه الحالة أتضرع إلى الله.

والله تعبت من نفسي كثيراً ومن ذنوبي، ادعوا لي.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاقدة الأحبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك - ابنتنا العزيزة - في استشارات إسلام ويب.

أولاً: نبدأ من حيث انتهيت - أيتها البنت العزيزة - وهو أنك تطلبين مِنَّا الدعاء، وندعو لك بظهر الغيب كما ندعو لك بما تسمعينه أو ترينه، فنسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته أن يكشف عنك كل كرب، وييسّر لك كل عسير، وأن يتولّى أمرك في الدنيا والآخرة.

وأمَّا الجواب عمَّا تستشيرنا فيه فيمكن أن نلخصه في أربع نقاط:

الأولى: أن تعلمي جيدًا أن ما يدفع عنك الاكتئاب والقلق والتشاؤم والخوف من المستقبل هو التوكل على الله سبحانه وتعالى والاعتماد عليه، فهو سبحانه وتعالى الحيّ الذي لا يموت، وهو العزيز الرحيم، ولهذا يقول: {وتوكل على العزيز الرحيم}، (العزيز) يعني: الذي لا يُغلب، و(الرحيم) أرحم بكِ من نفسك ومن أُمِّك وأبيك، وهو حي لا يموت، ولا تخفى عليه خافية. وقد رأيت أنت في حياتك ما يدعوك إلى هذا التوكّل والاعتماد على الله، فقد جعل لك مخرجًا وفرّج عنك بعد ضيق، وأخرجك من موطن الخوف إلى موطن الأمن، فالذي فعل بك هذا في الأمس قديرٌ على أن يفعله غدًا وبعد غدٍ، فأحسني ظنّك بالله، فإن الله يقول في الحديث: (أنا عند ظنّ عبدي بي)، واعلمي أنه لا يُعجزه شيء، وأنه إذا تولّاك فلن تضيعي.

النقطة الثانية - أيتها البنت الكريمة - أن تعلمي أن ما تمرّين به من المحن والمصائب إنما قدّرها الله سبحانه وتعالى عليك ليختبرك صبرك، والعاقبة لكِ، والفوز والظفر الذي ينتظرك - إنْ صبرتِ واحتسبتِ - خيرٌ من سلامة الدنيا. ولهذا ندعوك إلى أن تقرئي ثواب الصابرين في القرآن، فإنه ممَّا يُخفّف عنك المعاناة والألم، ويكفيك أن تقرئي قول الله سبحانه وتعالى: {إنما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب} وقوله تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، فالصبر ثوابه بغير حساب ولا عدد، فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد اختارك من بين الناس - كما اختار كثيرين أيضًا لهذا - إذا كان الله قد جعلك من جُملة مَن ابتلاهم بشيءٍ من المصائب ليُثيبك ويُعظم لك الأجر؛ فهذا اختيار واصطفاء من الله سبحانه وتعالى ينبغي أن تشكري نعمة الله عليكِ في هذا.

النقطة الثالثة - أيتها البنت الكريمة - ضرورة التوبة إلى الله تعالى والمبادرة سريعًا إليها، فإن الله تعالى الذي نجّاك ينبغي أن تُقابلي نعمه وإحسانه إليك بالطاعة والشكر، فسارعي إلى التوبة ممَّا وقعت فيه من المعاصي والآثام، وخذي بالأسباب التي تُعينك على هذه التوبة، ومن أهمّ هذه الأسباب الرُّفقة الصالحة، فتعرّفي على النساء الصالحات الطيبات، فإنهنَّ خيرُ مَن يعينك على الثبات على طريق التوبة.

ومن أسباب التوبة: أن تُكثري من سماع المواعظ التي تُذكّرُك بالجنّة والنار، والعرض على الله، ولقائه سبحانه وتعالى، والحياة في البرزخ، والقبر، فإن هذا يدعو إلى الخوف من الله تعالى، والأخذ بالأسباب التي تتجنب الإنسان سخط الله تعالى عليه.

والنقطة الرابعة - أيتها البنت الكريمة - الحذر من القنوط واليأس، فإن الله سبحانه وتعالى يدعونا إلى إحسان الظن به، والتفاؤل بالخير، فاحذري من أن تقعي في حبائل الشيطان وشبكة الشيطان، بأن يُيَئسك من رحمة الله تعالى ومن فضله، واحذري أن تدعي على نفسك بشيءٍ من الأسقام أو الأمراض أو المصائب، فإن العافية خير ما يُعطاه هذا الإنسان، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُعلّم الصحابة سؤال الله تعالى العافية، فسلي الله تعالى العافية، وسليه التوفيق، وأن يأخذ بيدك إلى طاعته، وأن يُعينك عليها، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (يا مُعاذ إني أُحبّك، فلا تدعنَّ أن تقول دُبر كل صلاة: اللهم أعني على ذِكْركَ وشُكرك وحُسن عبادتك).

نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن يُجنّبك كل مكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر عمر عبدالمجيد الشامي

    جزاك الله خيرا اوضحت لنا بفضل الله معلومات غالية جدا كنت اغفل عنها

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً