الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كرهت أبي من سوء معاملته.. فهل علي إثم لو قطعت علاقتي به؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا وأخواتي لسنا على وفاق مع أبي، لكني بالأخص أكرهه لسوء معاملته لي في صغري، وقلبي لا يحتمل أن أنظر لوجهه حتى الآن، هل آثم إذا كرهته؟ هل آثم عندما أقطع علاقتي به؟ لأني كلما نظرت له أنتكس وأدخل في حاله اكتئاب شديدة.

هل آثم لو كبرت وأنا لا أسأل عليه، ولا أريد رؤيته؟

علمًا بأنه حتى يومنا هذا لا يرى أن ما فعله خطأ، ويتكبر علينا، وبينه وبين أمي خلاف، ويذلنا بالأموال.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يصلح حالك، وأن يرزقك السلامة في القول والعمل، وأن يرزقك بر والديك إنه جواد كريم.

الأخت الكريمة: قد فهمنا أن الأب أساء إليكم في المعاملة، وأن بينه وبين الوالدة مشاكل، وأنه يذلكم من أجل المال الذي يعطيكم إياه، وقد أصابك ما أصابك من أجل خطأ وقع فيه لا يريد أن يعترف به.

وبغض النظر عن كل ما مضى، مما هو موجود في كل بيت شيء منه، كنا نتوقع كما العادة أن يكون السؤال:
1- كيف أرضي والدي؟
2- كيف أجعل والدي يتفهم مشاكلي؟
3- كيف أزيل ما علق برأسي وأستشعر والدي؟

كنا نود أن يكون الحديث في هذا الحوار، لكن كرهته؟ اكتئاب عند رؤيته؟ ما هذا يا أختي الكريمة؟!

مهما فعل أبوك يظل الأمان لك بعد الله تعالى، مهما فعل يظل الحصن الذي تتحصنين به، مهما أخطأ يظل الأب الوحيد الذي لا بديل له.

أبوك -أختنا- وديعة راحلة، إن بقي معك اليوم فلن يبقى غدًا، وإذا أردت أن تعرفي قيمته، فسلي كل من تعرفين ممن رحل آباؤهم يخبروك ماذا يعني رحيل الأب؟

رحيل أبيك كسر ظهر، وتعب دهر، وفقد إلف لا يجود الزمان بمثله.

أبوك هذا الذي لا تطيقين النظر إلى وجهه لأجل خلاف عابر، أو خطأ قائم، أو حتى مصيبة قام بها، يتمناه كل من فقد والده، يتمنى رجوعه ولو ساعة من نهار يبث له شكواه، يتمنى عودته ولو لحظة ليرتمي في صدره حيث الأمان الذي لا خوف معه.

أبوك الذي كرهته هو الوحيد من بين أهل الأرض الذي يتمنى سعادتك بلا مقابل، ويرجو عافيتك بلا ثمن، ويضحي بحياته إن مس السوء بدنك أو حتى اقترب.

أختاه: ما مضى لا ينفي وجود أخطاء عند الآباء، فهذا أمر طبيعي، لكن خطأ الوالد في حق ولده غير مقصود به إلحاق الضرر، وقسوته عليكم ربما من أثقال ما يحمل مما لا تعرفون شيئًا عنه.

كان الأولى بك وبإخوانك أن يجالسوا الأب، أو يسألوا كيف نستطيع إعانته؟ أو كيف يمكن أن نخفف عنه؟ هذا هو الطبيعي لا ما ذكرته!

أختنا: اعلمي أن طاعة الأب ليست بمقابل النفقة، ولا بمقابل الإحسان، ولا بمقابل عمل يقوم به، بل طاعته واجبة، وإن لم ينفق، طاعته واجبة وإن لم يحسن، طاعته واجبة في كل الأحوال إلا في المعصية، فإن أمر بمعصية ولو كانت كفرًا، وجبت معصيته في ذلك وبقيت مصاحبته بالمعروف، قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ(14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} لقمان 15.

ولك -أختنا- أن تنظري إلى بداية الآيات حيث الحديث بالوصية بهما، ثم يأمرك الله تعالى أن تصاحبيهم بالمعروف حتى لو حرضاك على الكفر بالله سبحانه، فكيف بما دون ذلك.

وعليه فما تفعلينه عقوق لا يرضي الله تعالى، وما يفعله إخوانك عقوق، والعاق أختنا يجد هذا البلاء في الدنيا والآخرة، فاستعيذوا بالله من ذلك، وابحثوا في الأسباب الكفيلة بإصلاح بيتكم، وإرضاء والديكم، هذا هو الطريق لا غير.

نسأل الله أن يصلحكم، وأن يهدي والدكم لكل خير، وأن يقيكم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً