الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتعامل مع سوء معاملة وإساءة أبي لي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من الأمور الطبيعية أن الوالد يشفق على أبنائه، ولكن والدي للأسف ليس لديه أي نوع من الشفقة علي! فكثيراً ما يسفّه أو يطعن فيَّ بأسلوب مبطن أمام الناس.

بالإضافة: إلى أنه طلب مني أن أشهد شهادة زور في أمر لم أكن أعلمه أو أعرف تفاصيله، علماً أن أبناءه كانوا على علم ودراية بهذا الموضوع بالكامل منذ بدايته، ولم يطلب منهم الشهادة، وقد طلب مني دونهم!

للأسف كثيراً ما أجد الكذب والنفاق في صفاته وتعامله، ولكن لأنه يفعل هذا الأمر بكثرة أصبح يكذب دون شعور، وينافق دون شعور، وعندما أقوم بنصحه أو بتوضيح الأمر يثور بطريقة سيئة ولا يسمع ولا يتقبّل مني.

في كل مرة أزوره يحاول أن يختلق أموراً يطعن قلبي بها، مثل: أنه يقوم بالتحدث على ابني المتوفى، أو يقوم بالإساءة إلى زوجتي وأبنائي بطريقة مبطنة حتى يضايقني بها.

أنا حرفياً عجزت معه، وهناك أمور كثيرة لا يمكن أن أتحدث بها حول تعامله وطريقة إهانته لي وفي كل مرة أسكت! علماً بأن ابنه الأكبر لا يستطيع أن يتفوه معه بكلمة، وكثيراً ما أجده يكذب أمام والدي في أمور أنا أعرفها ووالدي يسكت دون أن يدافع أو يقول أي شيء.

السعي لرضا الوالد ليس في سبيل أذى النفس، وخاصة إذا قصد الأذى.
فأرجو إفادتي في ذلك، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو أمير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله تعالى أن يُعينك وييسّر لك القيام بحقوق والدك عليك، وبرّه رغم إساءته إليك، فإن البرّ مع وجود الإساءة من الوالد يكون شاقًّا، ولكن القاعدة الشرعية –أيها الحبيب– "أن الأجر على قدر المشقة"، فكلَّما عَظُمت المشقة في العمل الصالح كلّما زاد أجرها وكبر.

محاولتك لبرِّ والدك واجتناب العقوق في هذه الحالة التي أنت فيها لن يكون الباعث عليها إلَّا ابتغاء رضوان الله تعالى، وليس شهوة النفس، فإنَّ مَن يَبرّ والده ويُحسن إليه مع إحسان الوالد إلى الولد قد يكون فيه شيء من حظوظ النفس وشهواتها، ومكافأة المحسن ونحو ذلك.

أمَّا في حالتك: فإن مراغمتك لنفسك ومجاهدتك لها وإرغامها على القيام بحقوق الله تعالى تجاه الوالد، وتوفية الوالد حقّه؛ كل هذا العمل سيكون -بإذن الله تعالى- خالصًا لوجه الله، مخالفًاً لهوى النفس.

هناك جانب آخر -أيها الحبيب- لا بد أن تتذكّره وتُديم التأمُّل فيه، وهو -بعون الله تعالى- يُسهّل عليك القيام بالواجب تجاه والدك، والصبر على تحمُّل أذاه، وهذا الأمر هو: أن تتذكّر الإحسان القديم من هذا الوالد، فإن الله سبحانه وتعالى جعله سببًا في وجودك في هذه الحياة، ثم إحسانه القديم في تربيتك والقيام على شؤونك في مرحلة الضعف، فتذكُّرُك لهذا الإحسان يبعثُك على مقابلة هذا الإحسان بإحسانٍ الآن، ولهذا السبب أوجب الله تعالى علينا برَّ الوالد مهما أساء إلى ولده، وقد ذكرنا هذا المعنى في استشارة سابقة سألتنا فيها عن علاقتك بأبيك.

لعلَّ طريقتك في الإنكار على الوالد والتعامل مع أخطائه أوجدتْ شيئًا من النفرة بينك وبينه، وصنعت حواجز، ونحن ننصحك: بأن تتجنّب تمامًا الإنكار على أبيك فيما يفعله من المعاصي، ما دام ذلك يُغضبه ويثور منه، فإن العلماء يقولون: (إن الولد يُنكر على والده المنكر لكن بشرط أن لا يُغضبه، فإذا غضب الوالد وجب على الولد أن يسكت)، فلا تشتغل بمجادلة والدك والإنكار عليه في غضبه، وإذا فعلت هذا فإنه سيتعوّد منك هذا السلوك، ويرى أنك تتأدّب معه في حضوره، وهذا سيُغيّر طبيعة تعامله معك.

خير ما نوصيك به -أيها الحبيب-: أن تتوجه إلى الله سبحانه وتعالى ليُعينك على القيام بدورك ومهمّتك في التعامل مع الوالد، فإن الخير كله بيد الله تعالى، والإعانة منه، وأعظمُ ما نسأله سبحانه وتعالى في صلواتنا الإعانة على هذه العبادات، فنقول: {إياك نعبد وإياك نستعين}، فاستعن بالله، واسأله سبحانه وتعالى التوفيق والتيسير، وستجد من الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً