الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الهوس الذهاني... التشخيص والعلاج

السؤال

أخي أصيب بحالة من الغضب الشديد لدرجة أنه كان يضربنا، والكلام الكثير جداً، والتحدث في كثير من المواضيع بدون ترتيب للكلام، وذهبنا به إلى أكثر من طبيب ووصف لنا الطبيب الأول دواء كوجينتول ودوجميتال وحقنة بيريدول ولكن لم تتحسن الحالة.

وشخّص لنا الطبيب الحالة بأنه بداية اكتئاب؛ ولأني أعمل بعيداً عنهم لم أستطع أن أتابعه مع الطبيب الثاني، ولكن قال الطبيب الثالث إنها حالة اضطراب نفسي، وذهبنا به إلى عدة شيوخ للرقية فكان يقرأ أحدهم عليه القرآن وتحسن أخي من لحظتها، لكن بعد عدة أيام عاد إلى ما كان عليه وذهبنا به إلى نفس الشيخ فقال إن أخي معمول له عمل من أقاربنا.

وكان الشيخ يقرأ عليه لكن لا نسمع ما يقول، وكان يكتب اسمه في ورقة، وذهبنا إلى شيوخ آخرين لنتأكد فطالب قال أحدهم نأتي له بملابس أخي، وقال إن أخي معمول له عمل وسيرقيه.

نوضح لسيادتكم أنه قد قلنا لمن قال عنهم الشيخ الأول إنهم عملوا لنا العمل (أقاربنا)، فإحداهن رفضت أن تأتي رغم أنه قد حضر بعض أعمامي وأخوالي ليحكموا في الموضوع؛ لذلك أصابنا الشك منها لأنها قالت إنها يمكن أن تأتي في وقت آخر، لذلك شككنا أنها هي، وستفك ما عملته من عمل.

الملاحظ أن أخي تحسن بعدها فما تشخيصكم لما حدث؟ نرجو الإجابة في أقرب وقت.

جزاكم الله خيراً على ما تبذلون من جهد وجعله في ميزان حسناتكم، وجعل موقعكم في الطليعة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، وبعد:

فجزاك الله كل خير.

الوصف الذي ورد في رسالتك والذي يشير أن هذا الأخ – شفاه الله وعافاه – قد أصيب بحالة من الغضب الشديد وتطاير في الأفكار، وتداخل فيها وكثرة في الكلام، فإن هذا يدل على أن هذا الأخ قد أصيب بحالة هوس عقلي، وأعتقد أن الطبيب الذي وصف أن حالته حالة اكتئاب لم يكن موفقاً في ذلك حسب ما أعتقد.

وحالات الهوس – وهو نوع من الاضطراب الوجداني – هي من الأمراض النفسية المعروفة، وهي تُعالج بواسطة الأدوية المتخصصة، ويعتقد أن السبب في هذا المرض هو نوع من الاضطراب الكيميائي أو البيولوجي الذي يحدث في مناطق معينة في المخ؛ ولذا يعتبر استعمال الأدوية ضرورياً جدّاً، لأن الأدوية سوف تؤدي إلى تعديل وتحسين الوضع الكيميائي، ومن ثم ترجع الموصلات العصبية أو الكيميائية إلى مسارها الصحيح.

ما ذكرته من أن هذا الأخ معمول له عمل سحر، فأنا شخصياً لا أستطيع حقيقة أن أؤكد على ذلك ولا أعتقد أن ذلك صحيح، فإن الوصف الذي ورد يدل على أن هذا الأخ قد أصيب بمرض طبي، أقول لك ذلك رغم إيماني بأن العين حق وأن الحسد موجود وأن السحر موجود، ولكن الحالة التي تنطبق على هذا الأخ هي أن حالته حالة طبية نفسية وليس أكثر من ذلك، وكونه تحسَّن فهذا أمر جيد، وهذا حقيقة يُفسر التاريخ الطبيعي لبعض أمراض الهوس، فيمكن أن تتحسن حالة بعضهم حتى دون أن يُعطى أي نوع من الدواء؛ لأن هذه الأمراض تأخذ الصفة الدورية، بمعنى أن الأعراض قد تشتد وقد تظهر في وقت معين، ثم بعد ذلك تتحسن حالة المريض، ثم بعد فترة أخرى ربما تنتابه نوبات أخرى.

الذي أنصحك به هو أن تبتعد تماماً عن الذهاب إلى الشيوخ الذين ذكرت أنهم يتحدثون أنه مصاب بعمل، فإن كل الذي تتطلبه حالة هذا الأخ هو أن يتناول الأدوية، وهنالك عدة أدوية مفيدة جدّاً.

والشيء الآخر هو أنه سوف يكون من الجيد أن يرقى بالرقية الشرعية وليس أكثر من ذلك، وننصح هذا الأخ أن يحافظ على صلواته وعلى عباداته وأذكاره، وأن يدعو الله أن يشفيه وأن يحفظه من كل مكروه، هذا هو المطلوب وليس أكثر من ذلك أبداً.

إذن تشخيصنا للحالة هي أنها حالة مرضية نفسية تُعرف باسم (الهوس النفسي)، ويسميه البعض بـ (الهوس الذهاني)، وهنالك عدة أدوية تفيد في هذه الحالة منها عقار يعرف تجارياً باسم (رزبريادالRisporidal )، ويعرف تجارياً باسم (رزبريادون Risperidone)، يعطى بجرعة اثنين مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم يمكن أن تُرفع الجرعة إلى أربعة مليجرام، هذا الدواء من الأدوية الجيدة والمفيدة جدّاً.

وهنالك عقار آخر يعرف تجارياً باسم (تجراتول Tegretol)، ويعرف علمياً باسم ( كاربامزبين Carbamazepine)، يتم تناوله بجرعة مائتي مليجرام صباحاً ومساءً، ويمكن أن ترفع الجرعة إلى مائتي مليجرام ثلاث مرات في اليوم.

وهنالك عقار ثالث يعرف تجارياً باسم (دبكين كورونوDepakine chorono )، ويعرف علمياً باسم (فالبرك اسدValopric acid ) ويتم تناوله بجرعة خمسمائة إلى ألفين وخمسمائة مليجرام في اليوم.

وهنالك عقار رابع يعرف تجارياً باسم (زبراكسا Zyprexa )، ويعرف علمياً باسم (اولانزبين Olanzapine)، وجرعته هي من خمسة إلى عشرين مليجرام في اليوم.

وهنالك أدوية أخرى ولكن هذه هي الأدوية الأكثر شيوعاً والأكثر نفعاً، وبالطبع استعمال الأدوية يتطلب الإشراف الطبي، وأنا لا أدعوك مطلقاً أن تحصل على كل هذه الأدوية، فقط أنصح بأن يبدأ في علاج الـ (رزبريادون Risperidone)، فهو الأفضل، وهو الأسهل استعمالاً، كما أنه ليس من الأدوية الباهظة الثمن.

بجانب هذه النصيحة أود أيضاً أن أنصح بنصيحة أخرى، وهي أن هذا الأخ إذا أشرف على علاجه طبيب نفسي موثوق به فقد يكون هذا هو الأفضل، وأرجو أن تبتعد تماماً عما يسمى بالمشايخ الذين يتحدثون عن العمل والعين والسحر، فهذا يؤدي إلى توهمات كثيرة، وهذه حقيقة دهاليز مظلمة جدّاً لا نود أي أحد أن يدخل فيها، حتى لا يكون ضحية للشعوذة والمعتقدات الخاطئة، وهذه المعتقدات بكل أسف تكون أحياناً باسم الدين، والدين منها براء تماماً.

أسأل الله له الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وكل عام ونحن وأنتم وجميع المسلمين بخير.

انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم اختصاصي الأمراض النفسية، وإليك إجابة الشيخ/ أحمد الفرجابي المستشار الشرعي بالشبكة.
=======================

فقد استمتعت بقراءة إجابة الدكتور محمد عبد العليم، وأنصح السائل وأسرته بالاستفادة منها؛ لأن الدكتور محمد من الأسماء الكبيرة والكفاءات في مجال الطب النفسي، وقد أسعدني توجيهه للأخ بقراءة الرقية الشرعية والمحافظة على الأذكار، وهذا أمر هام للمريض ولغير المريض، ولن يجد الإنسان من يحرص على عافيته أكثر من نفسه وأهله.

والرقية الشرعية لابد أن تكون من شخص موثوق في دينه، وأن تكون الرقية في مكانها وبطريقتها الصحيحة، وأن يعتقد الجميع أن الشفاء من الله، وألا يطالب الراقي بثوب المريض، ولا يسأله عن اسم أمه، ولا يقول: (إن فلاناً فعل بك كذا وكذا)، فقد يأخذ مثل هذا الكلام من الشيطان، وهو في الغالب يكون من أجل غرس العداوة والبغضاء بين الناس، وهذا مما يتمناه الشيطان ويحرص عليه.

ولذلك فنحن ننصحكم أيضاً بالابتعاد عن الذين ذهبتم إليهم؛ لأن ممارستهم للرقية الشرعية كانت فيها مخالفات، وننصح الأخ المريض والجميع بضرورة الحرص على طاعة الله وذكره وحسن عبادته، فإن في ذلك الخير والفلاح والعافية.

وسوف نكون سعداء إذا تواصلتم مع الموقع فصحة هذا الأخ تهم الجميع، ونسأل الله الهداية والتوفيق، ونتمنى أن لا تتأثر صلات الرحم بما قيل، واعلموا أن كل شيء بقضاء وقدر، وأنه لن يحدث في كون الله إلا ما أراد الله، وأنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوا كائنا من كان لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروا كائنا من كان لن يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، جف بذلك الكتاب ورفعت الأقلام.

ونسأل الله لأخيك عاجل الشفاء والعافية.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر حسن شعبان عبدالله سيف

    جزاكم الله خير واكثر من امثالكم وشكر خالص للدكتور محمد عبد العليم والشيخ احمد الفرجابي

  • مصر احمد الصباغ

    جزاكم الله خيرا........ اتمنى ان استفيد من الاجابه.

  • مصر monaibrah

    موضوع اكثر من رائع ويهم الكثير لان مرض الهوس الذهاني قد انتشر وحضرتك اوجزت وافدت الجميع جزاك الله كل الخير دكتور

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً