الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس نزع الشعر عند القراءة ومشاهدة التلفاز

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بدأت حالة هوس نزع الشعر لدي منذ أن كان عمري حوالي 17 سنة، وتتلخص هذه العادة السيئة بأنني عندما أقرأ أو أشاهد التلفاز فإن يديّ تعبثان في شعر رأسي إلى أن تنتزع الشعرة من منابتها، وقد حاولت جاهدة مراراً أن أتوقف ولكن أحس بأنني لاإرادياً ودون أن أدرك أمارس هذه العادة.

أرشدوني أثابكم الله!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Leen حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن هوس نزع أو نتف الشعر أو ما يسمى: (Trichotillomania) هي حقيقة من الحالات النفسية المعروفة، وأعتقد أن مسمى: (هوس نزع الشعر) ليس مسمى صحيحاً، فالمسمى الصحيح هو: (وساوس نزع الشعر)، هذه الحالة اختلف حولها المختصون كثيراً، ودارت الكثير من الحوارات العلمية والنقاشات والأبحاث، وبعد ذلك أجمع المختصون بأن هذه الحالة تعتبر نوعاً من القلق النفسي الذي يأخذ الطابع الوسواسي، وقد اعتبرها البعض أنها أيضاً نوع من الوساوس القهرية الطقوسية الفعلية.

أولاً: يجب أن تعرفي أن هذه الحالة تحت إرادة الإنسان، وما دام الأمر تحت إرادتك فيجب أن تقاومي، ويجب أن توقفي نفسك من عادة نزع الشعر، وعليك أن تتصوري أن هذا أمر غير مقبول بالنسبة للفتاة، وقد يؤدي إلى نوع من التشوه.

الذي قصدت أن أقوله هو: أن الإنسان إذا نظر للأمور بنوع من التهوين ولم يعطها حجمها الحقيقي، ولم يتفهم حالته بواقعية ومسئولية، فهذا يجعله يستسهل الأمور ويتهاون ويتمادى في السلوك الذي يمارسه، بالرغم من قناعته أن هذا السلوك ليس صحيحاً، ولكنه لا يعطي الأمور حجمها الحقيقي.

قصدتُ بهذا الشرح أن أقول لك: إن هذه آلية مهمة جدّاً من آليات العلاج، وهي استيعاب حجم المشكلة التي تعانين منها، وفي ذات الوقت الاستبصار بأن العلاج بيدك.

هذا هو المبدأ الأساسي، وبعد ذلك تأتي علاجات سلوكية تسهل عليك كثيراً:

أولاً: اتضح أن ما يعرف بـ (الارتباط الشرطي) وهو مصطلح سلوكي يستعمله علماء النفس، يمكن أن يفك هذا الارتباط الشرطي إذا أُدخل تفاعلٌ أو فعلٌ مضادٌ على الفعل السلوكي الذي يمارسه الإنسان، أنت الآن الفعل السلوكي الذي تمارسينه هو عادة نزع الشعر، والسلوك المضاد الذي نود منك أن تتعلميه وتمارسيه هو أن توقعي أو تدخلي على نفسك الإحساس بالألم، ولتطبيق ذلك ضعي يدك على شعرك وتأملي أنك تودين الآن أن تنزعي الشعر – لكن لا تقومي بذلك – مجرد التأمل، ضعي يدك ثم تأملي أنك تنزعين الشعر، وبدل أن تنزعي الشعر قومي بنزع يدك بسرعة شديدة وبعد ذلك اضربي يدك على جسم صلب - كالطاولة مثلاً – بشدة حتى تحسين بالألم.

إذن يكون هنا الفعل السلوكي لديك هو الوساوس – وسواس نزع الشعر – نربط بين هذا الوسواس وبين سلوك أو فعل مخالف، وهو إدخال الألم على النفس، ويجب أن يكرر هذا التمرين عشر مرات على الأقل بمعدل ثلاث مرات في اليوم، أي: تكون لك جلسات علاجية، ويجب أن تأخذي الأمر بجدية، وبعد فترة ليست طويلة من الزمن سوف تلاحظين أن السلوك الوسواسي بدأ في الضعف، وبدأ مستوى مقاومتك له وتجاهلك له قد تحسن كثيراً، فأرجو الحرص على هذا التمرين.

هنالك دراسات ممتازة جدّاً تشير أيضاً أن العقار الذي يعرف تجارياً باسم (فافرين Faverin) ويعرف علمياً باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine) يفيد كثيراً في علاج هذه الحالة، وهو في الأصل من الأدوية التي أدخلت في أسواق الدواء عام 1983م، وتم تقديمه أولاً كمضاد للقلق وبعد ذلك اتضح أنه مفيد جدّاً في علاج الوساوس القهرية خاصة هذا النوع من الوساوس، فأرجو أن تبدئي في تناول هذا الدواء بجرعة خمسين مليجرام ليلاً - ويفضل تناوله بعد الأكل – لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى مائة مليجرام ليلاً واستمري عليها لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى مائتي مليجرام في اليوم.

يمكن أن تتناوليها كجرعة واحدة ليلاً أو تتناوليها مائة مليجرام بعد الغداء ومائة مليجرام بعد العشاء، هذه أيضاً طريقة جيدة لتناول هذا الدواء، ويجب أن تستمري على هذه الجرعة (مائتين مليجرام) يومياً لمدة ستة أشهر – هذه هي الفترة العلاجية المقبولة حسب الأبحاث – ثم بعد ذلك ابدئي في تخفيض الدواء بمعدل خمسين مليجرام كل شهر حتى تتوقفي عن تناوله.

هذا الدواء من الأدوية المفيدة والسليمة جدّاً، وهو عقار غير إدماني وغير تعودي.

هذا كل ما أود أن أقوله، فأرجو الالتزام بهذه الإرشادات وتناولي الدواء بالصورة التي وصفتها لك، وإن شاء الله سوف تجدين أن هذه العادة قد انتهت، وأن الشعور بالقلق قد انتهى أيضاً، وأن مزاجك قد تحسن كثيراً.

هنالك أمر يجب أن أنبه له، وهو أن الحالة إذا كانت دائماً مرتبطة بمشاهدة التلفاز فبالطبع من المفترض أن تقللي من ذلك، لا أقول لك: احرمي نفسك، ولكن يفضّل أن تقللي من ذلك؛ لأن السلوك الذي يكون مرتبطاً بمثير معين – هذه نسميها بالمثيرات أو نسميها بعوامل المخاطرة كما يسميها البعض – ندعو الناس لأن يقللوا من هذه الروابط، فعلى سبيل المثال الشخص الذي يدخن كثيراً ننصحه أن يبحث عن الروابط، فالبعض يقول: أحب أن أدخن مع تناول فنجان من القهوة، والمنطق العلمي يقول: إذن توقف عن تناول القهوة حتى تجد نفسك أنك قد قطعت الرابط الذي جمعت معه التدخين – وهكذا - هذا مجرد مثال وددت أن أقوله لك، وبالطبع إيقاف أو قطع الروابط معروف تماماً من الناحية العلمية أنه يفيد في تعديل السلوك.

هذه العادة هي بسيطة وسوف تختفي - بإذن الله تعالى - .

جزاك الله خيراً على تواصلك مع الشبكة الإسلامية، ونسأل الله تعالى لك العافية والتوفيق والسداد.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً