الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأدلة على تأثر الفتوى بالظروف المكانية والزمانية

السؤال

بعض العلماء يغير آراءه وفتاويه ويحتج بأن الأئمة لهم أقوال في المسألة ولا غضاضة في الأمر وأعتقد أن الأمر ليس صوابا حيث إن العلماء السابقين لم يكن العلم مبذولا لهم مثل هذه الأيام ويمكث الشهور الطويلة في السير للحصول على حديث واحد ويجتهد في التدقيق في متن وسند وجرح وتعديل الرواة، لذلك يحق له التغيير والرجوع أما الآن فالأمر يختلف يستطيع ابن المتوسطة أن يجمع آراء العلماء والمذاهب الأخرى كذلك في وقت قصير ويختار من أقوالهم ولا يحتاج إلى أن يغير فتواه بعد ذلك لأن العلماء قد ماتوا ولن يغيروا أقوالهم وعلماء اليوم مهما اجتهدوا فهم يجتهدون في الاختيار من أقوال هؤلاء العلماء فقط إذاً القول في المسألة قد حسم من البداية.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فليس الأمر كما تصورته -أيها الأخ الكريم-، وذلك من منظورين اثنين:

الأول: أن الفتوى تتأثر بالزمان والمكان وغيرهما من الظروف المحيطة بها، وبالتالي فلا يتصور أن ما يفتي به زيد في مسألة معينة سيفتي به بالضرورة عمرو في نفس المسألة.

ولقد تحدث العلماء عن هذا كثيرا وبينوه في كتبهم، وجلبوا له الأدلة والبراهين من السنة وفعل السلف الصالح، ومن هذا ما نقله الزرقاني في شرحه للموطأ من أن عمر بن عبد العزيز كان يقول: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.

وذكر ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين أمثلة عديدة تدل على تأثر الفتوى بالظروف المكانية والزمانية، نذكر لك منها ما يلي:

المثال الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وقد حكي عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه قال: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه وقلت له: إنما ذم الله الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم.

المثال الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن قطع الأيدي في الغزو. رواه أبو داود. فهذا حد من حدود الله تعالى قد نهى عن إقامته في الغزو خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله أو تأخيره من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا. ولا يخفى ما في هذا من تأثر الفتوى بالمكان.

المثال الثالث: تغيرها بالزمان في إسقاط عمر بن الخطاب لحد السرقة عام الرمادة، قال ابن القيم - نقلاً عن السعدي-: قال عمر: لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة. قال السعدي: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث، فقال: العذق النخلة، وعام سنة المجاعة، فقلت لأحمد تقول به؟ فقال: إي لعمري.

والثاني: أن قولك إن ابن المتوسطة يستطيع أن يجمع آراء العلماء والمذاهب الأخرى في وقت قصير... هو كلام مبالغ فيه إلى حد بعيد.

فصحيح أن العلوم قد دونت وسهلت وسائل البحث فيها، ولكن فهمها وتطبيقها على الواقع، ومعرفة الراجح منها، وغير ذلك من الأمور الكثيرة ليس متاحا لكثير من الناس، وأحرى من هو في المتوسطة.

كما أن تغيير الرأي إذا كان مضبوطا بالضوابط الشرعية، فإنه يدل على ورع صاحبه.

وعلى أية حال، فنحن نقر بأن من واجب المفتي أن يدقق نظره في الأمور حتى لا يخرج للناس إلا ما هو جازم من صحته. ومع ذلك فإن الخطأ يبقى دائما محتملا في كل عمل بشري تصديقا لقول الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني