الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أولاده يقيمون في شقق أسكنهم والدهم فيها قبل موته

السؤال

أسأل عن شيء في الميراث. كيف يوزع؟ وهي عمارة سكنية توفى مالكها وله بعض من أبنائه (ثلاثة ذكور) متزوجون ويعيشون فى شقق فى هذا المبنى وبعض الأبناء متزوجون (أربعة ذكور وابنة واحدة) ويعيشون فى شقق أخرى خارج هذا العمارة أو المبنى، وهناك شقق أخرى فى العمارة مؤجرة بمال وفير وأسأل كيف يتم توزع العمارة هل يتم استبعاد الشقق التى بها الأم والتى بها الأبناء أم كلها ميراث خاصة أن الشقق التي يسكنها الأبناء هم الذين أنفقوا على تجهيزها وتشطيبها من مالهم وضمنيا هي شققهم!! فكيف يكون الأمر؟ملحوظة: أن الأب قبل وفاته قد وعد أحد الأبناء (بعد وقت طويل من إقناع الأب بالموافقة) أنه سوف يخلي إحدى الشقق المؤجرة ليسكنه فيها لأنه قد ترك عمله ثم انتقل إلى بلدة أبيه ليعمل فيها، ولكن مات الأب قبل أن يفعل، مع العلم بأن الأب كان رافضا هذا الأمر فى البداية لكن تدخل الإخوة أقنعوا الأب فى النهاية وحدد له وقتا للتنفيذ، وهناك أملاك أخرى من أراض زراعية ومال ومبنى آخر فى احدى المصايف كان يؤجر هو الآخر للغير، فماذا تقول في ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإننا نقول ابتداء: جوابنا على سؤال أختنا السائلة يتلخص فيما يلي:

أولاً: يجب قسمة التركة جميعها (العمارة السكنية والأراضي وجميع ما خلفه الأب) بين الورثة على ما جاء به الشرع، ويحرم على الوارث أن يتحايل ليأخذ أكثر من حقه، أو يسقط نصيب غيره من الورثة.

ثانياً: الشقق التي يسكنها الأولاد المتزوجون، إذا كان الأب قد أسكنهم فيها لا على سبيل التمليك والهبة، فهي ملك للأب في حياته وتصير من جملة التركة بعد وفاته، وتدخل في التركة التي يتقاسمها الورثة، وما أنفقه الأولاد في تجهيز الشقق يفصل فيه.. فإن كان هبة منهم لأبيهم أو دفع في مقابل السماح لهم بالسكنى فليس لهم المطالبة به، وإن دفعوه على أنه قرض منهم لأبيهم فإنهم يأخذونه من التركة قبل قسمتها، وكذلك الشقة التي بها الأم تدخل في جملة التركة التي يقتسمها الورثة، والقاعدة في ذلك هي أن كل ما كان في حياة الأب ملكاً له ومات وهو في ملكه فإنه يدخل في التركة.

وأما إن كان الأب قد وهب تلك الشقق للأولاد في حياته بحيث صارت ملكاً لهم وصار بإمكانهم أن يتصرفوا فيها تصرف المالك بالبيع والشراء والهبة.. فقد صارت الشقق ملكاً لهم؛ إن كان قد وهب لبقية أبنائه مثل هذه الشقق وما يعادل قيمتها، أو كان هنالك سبب خاص لإيثار بعض الأولاد على بعض من فقر أو كثرة عيال أو زمانة، فإن لم يكن شيء من ذلك فهل ترد الهبة وتعاد الشقق إلى التركة؟ في ذلك خلاف؛ فمن أهل العلم من قال هي هبة ماضية، ومن أهل العلم من قال هي هبة باطلة ما دام الوالد لم يعدل بين أولاده، والقول الأخير هو الأقرب للحق والعدل، وتشهد له نصوص الشرع وقواعده ومقاصده، هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حسن إسناده ابن حجر: سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء. وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد وقد أراد أن يُشهده على هبة خص بها ابنه النعمان: لا تشهدني على جور. وفي مسلم أنه أمره بإرجاع الهبة. وعلى هذا القول فإن الشقق التي يسكنها الأولاد داخلة في التركة التي يقتسمها الورثة.

ثانياً: إيجار الشقق المؤجرة يقتسمه الورثة أيضاً بينهم جميعاً على حسب نصيبهم من الميراث.

ثالثاً: الشقة التي وعد الأب بها أحد أبنائه ومات قبل أن يسكنه إياها تدخل في الميراث أيضاً.

وإننا ننصح الورثة المشار إليهم بالرجوع إلى المحكمة الشرعية إذا حصل بينهم خلاف حول تقسيم التركة لتنظر في الأمر من جميع جوانبه، فإن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها مفت طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، وهبة الأب لبعض أولاده دون بعض محل خلاف بين الفقهاء ولا يمكن أن تفصل فيها فتوى بل لا بد من القضاء، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني