الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التصريح في القرآن بكفر بعض الناس بأعيانهم.. نظرة شرعية

السؤال

لماذا أنزل الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم (وهو كتاب الله إلى يوم القيامة)، السورة التي لعن فيها أبو جهل لعنة شديدة، وهل تكون هذه السورة حسرة وألما لأولاده بعد أن كانوا مؤمنين، الرجاء منكم جوابا كافيا؟ ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولا أن ننبهك إلى أن أبا جهل لم يرد في القرآن لعنٌ بخصوصه، وإنما ورد اللعن لعموم الكافرين وهو منهم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا {الأحزاب: 64}، وورد في خصوص أبي جهل -كما قال المفسرون- قوله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدًا إِذَا صَلَّى* أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى* أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى* أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى* أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى* كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ* نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ* فَلْيَدْعُ نَادِيَه* سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ* كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ {العلق}.

وفيما يخص موضوع سؤالك، فاعلم -زادنا الله وإياك علما- أن الله -جلت قدرته- لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وأنه لا يستحيي من الحق، وله الحكمة البالغة في أقواله وفي أفعاله، وقد أنزل في كتابه التصريح بكفر بعض آباء بعض الأنبياء وأبنائهم وزوجاتهم، وغير ذلك من قراباتهم، فأبو إبراهيم - عليه السلام - قد كان من الكافرين بنص القرآن الكريم. قال تعالى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ {التوبة: 114}، وهكذا جاء هذا المعنى في سورة مريم، وسورة الممتحنة، وغيرهما، وامرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين بنص القرآن الكريم، قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {التحريم:11}، وابن نوح كان أيضاً كافراً كما في سورة هود: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {هود:46}، وقد خاطب -الله تعالى- نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بقوله في سورة التوبة: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {التوبة:113}، فإذا كان هذا في حق آباء وقرابات الأنبياء –عليهم الصلاة السلام- فما بالك بآباء وقرابات سائر أفراد المسلمين؟!

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني