الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى: (رب المشرقين ورب المغربين)

السؤال

قال تعالى: رب المشرقين ورب المغربين..."ما تفسير هذه الآية؟ وهل المقصود بها وجود عالم آخر، أم ماذا؟ فقد فكرت بها حتى كدت أفقد صوابي.
الرجاء الفائدة، مع جزيل الشكر، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد ورد جمع المشرق والمغرب في بعض الآيات، كقوله تعالى في سورة المعارج: فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ {المعارج: 40}. ووردت تثنيتهما في بعضها كقوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ {الرحمن: 17}، وورد إفرادهما كما في قوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا {المزمل: 9}، ولا تعارض ولا اضطراب في هذه الآيات، كما قد يتوهم البعض.

قال الحافظ ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ: يَعْنِي ‌مَشْرِقَيِ ‌الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، وَمَغْرِبَيِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ [الْمَعَارِجِ: 40]، وَذَلِكَ بِاخْتِلَافِ مَطَالِعِ الشَّمْسِ وَتَنَقُّلِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَبُرُوزِهَا مِنْهُ إِلَى النَّاسِ.

وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [الْمُزَّمِّلِ: 9] وَهَذَا الْمُرَادُ مِنْهُ جِنْسُ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ. انتهى.

وقد تكلم العلامة الشنقيطي على هذه الآيات بمثل ما ذكره ابن كثير في كتابه: "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" عند قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ {البقرة: 115}. وورد عن ابن عباس وغيره أن للشمس ثلاثمائة وستون مشرقاً ومغرباً، وذلك على عدد أيام السنة، فكل يوم تشرق من مكان، وتغرب في مكان، ولا تعود إليه إلا بعد سنة، ولكن خص مشرقي الشتاء والصيف لتباعد ما بينهما.

وفي هذا العصر الحديث تأكد ما في هذه الآيات من إعجاز علمي، قال د. يحيى المحجري في "آيات قرآنية في مشكاة العلم": لا يبدو وجود صعوبة في فهم صيغة المفرد، فأينما كنا، وحيثما وجدنا، رأينا للشمس مشرقاً ومغرباً، أما المشرقان والمغربان فقد فسرهما المفسرون بمشرقي الشمس ومغربي الشمس في الشتاء والصيف، فالأرض كما نعرف تتم دورتها حول الشمس في 365 يوماً وربع يوم.

كذلك نعلم أن ميل محور دورانها عن المحور الرأسي يسبب اختلاف الفصول، ومن ثم اختلاف مكان ووقت الشروق والغروب على الأرض على مر السنة، فالواقع أن المشرق والمغرب على الأرض، أي مكان الشروق والغروب يتغيران كل يوم تغيراً طفيفاً، أي أن الشمس تشرق وتغرب كل يوم من مكان مختلف على مر السنة، وهذا بدوره يعني وجود مشارق ومغارب بعدد أيام السنة، وليس مشرقين ومغربين اثنين فقط، وإن بدا الاختلاف بين مشرقي الشمس ومغربيها أكثر وضوحاً في الشتاء والصيف، فقد يكون إذن مشرقي الشمس ومغربيها في الشتاء والصيف هما المقصودان في الآية الكريمة: (رب المشرقين ورب المغربين).

كذلك قد تكون هذه المشارق والمغارب المتعددة التي نراها على مر السنة هي المقصود ة في الآية الثالثة (برب المشارق والمغارب)، وقد يكون المقصود بها أيضاً مشارق الأرض ومغاربها في بقاعها المختلفة، فشروق الشمس وغروبها عملية مستمرة، ففي كل لحظة تشرق الشمس على بقعة وتغرب على بقعة أخرى، وقد يكون المقصود بها مشارق الأرض ومغاربها على كواكب المجموعة الشمسية المختلفة، فكل كوكب -مثله في ذلك مثل الأرض- تشرق عليه الشمس وتغرب. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني