الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخذ الأب مهر ابنته وهل لها أخذه بغيرعلمه إن ظفرت به

السؤال

توفيت والدتي رحمها الله في حادث سيارة واستلم أبي مبلغا من المال ديتها وأخذه كله ولم يعطنا أنا وإخوتي حتى القصر منهم ولا قليل منه وتصرف فيه جميعه وتقدم لخطبتي ابن خالتي وكان أبي غير راض عن زواجي منه لأنه كان يريد تزويجي من أحد أولاد عمي وكنت رافضة ذلك ولما أصررت على الزواج من ابن خالتي طلب منه مبلغا كبيرا من المال وألزمه بتكاليف الزواج كاملة وكان ابن خالتي متمسكا بي فوافق على شروط أبي التعجيزية جميعها واستدان مبالغ كبيرة من المال للقيام بهذه الشروط المهم في الموضوع أن أبي أخذ مهري كله ولم يعطني ولو مبلغا بسيطا من المال علما بأن العرف في بلدنا أن تعطى يتيمة الأم أو الأب مهرها كله المهم حزنت لذلك حزنا شديداً حيث كنت مقتنعة بأن هذا المهر من حقي وبعد زواجي بسنة تقريباً جاءت فرصة بأن وضع أبي مبلغا كبيرا من المال في المنزل وكان يصرف منه بشكل يومي فقمت بأخذ مبلغ يوازي تقريباً المبلغ الذي أخذه أبي وهو مهري دون علم والدي وقمت بشراء ذهب بهذا المال وعشت في بيت أبي مدة من الزمن كان أبي خلالها يقصر كثيرا في الإنفاق على إخوتي خصوصاً بعد زواجه وكنت أنا وزوجي نقوم بمساعدتهم على طول المدة وحتى الآن بعد خروجنا من المنزل أنا وإخوتي بعد حدوث مشاكل كبيرة مع زوجة الأب المهم أريد معرفة إذا ما كانت هذه الفلوس التي أخذتها من والدي من حقي أم لا ؟ وإذا كان يجب علي إعادتها لوالدي فهل يمكن صرفها على إخوتي أو مساعدتهم بها في حياتهم لأن والدي دائماً مقصر معهم أرجو أن تفيدوني لإبراء ذمتي وجزاكم الله ألف خير.

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

ليس من حق الوالد حرمان أبنائه من الإرث، ولا الاستيلاء على أموالهم بغير حق. وله أن يأخذ من أموالهم ما هو بحاجة إليه. ومن حق من أخذ منه الأب شيئا من ماله بغير حق أن يسترجعه منه إذا ظفر به. وإذا أخذ الابن أكثر من حقه وجب عليه رد الزائد إلى الأب، وليس له صرفه على الأبناء؛ لأن نفقتهم قد تكون ساقطة عن الأب.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فليس من شك في أن ما ذكرته عن أبيك من حرمانك وإخوتك من الميراث، واستيلائه على مهرك، وتقصيره في الإنفاق على أولاده... كلها أمور لا تشرع له في الأحوال العادية.

ولكن في المقابل ينبغي التنبيه إلى أن الوالد إن كان محتاجا فله أن يأخذ من مال ولده بقدر حاجته، لما روى الحاكم والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولادكم هبة الله لكم، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم.

كما أن على الولد أن يحسن إلى والده وإن كان الوالد مسيئا؛ لأن رضا الوالد سبب لرضا الله تعالى عنه، وسخطه سبب لسخط الله تعالى عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: رضا الله من رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد. رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

وفيما يخص ما ذكرته عن الفلوس التي أخذتها من مال أبيك دون علمه، وما إذا كان عليك أن ترديها أم لا، فإن الجواب على ذلك يتوقف على معرفة ما إذا كان من حق أبيك أن يأخذ شيئا من مالك لكونه محتاجا أو لكونه يصرف ذلك عليك وعلى إخوتك، أو لكونه قد جهز لك منه بيت الزوجية أو غير ذلك... أم أن ذلك ليس من حقه.

فإذا كان أخذ المال بغير حق، أو أخذ منه أكثر مما له الحق فيه، فمن حقك استرجاع ما زاد على حقه منه.

وإذا تقرر حقك في استرجاع المال منه، فلك أن تسترجعيه متى ظفرت به. وقد بينا من قبل مذاهب العلماء فيمن ظفر بحقه ممن ظلمه، ولك أن تراجعي فيها فتوانا رقم: 28871.

وأما إذا قلنا بعدم استحقاقك لهذه الفلوس فإن عليك أن ترجعيها للوالد، أو ترجعي له منها ما ليس لك فيه حق.

والأحوط أن ترجعيها إليه مباشرة، ولكن لا يلزم التصريح له بأنك كنت قد أخذتها من ماله.

وأما صرفها على إخوتك فإن القول به يتوقف على معرفة ما إذا كانت نفقتهم تلزم الوالد أم لا، وما إذا كان الذي تصرف فيه هو مما يلزم الوالد أم لا.

وأخيرا نوصيك بالبر بأبيك والإحسان إليه، وعدم مؤاخذته في أية إساءة؛ فإن حقه عليك عظيم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني