الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزيادة في السعر بعد الاتفاق وحكم خيار النقد

السؤال

قبل أكثر من 20 سنة بِيع بيت أمي وصارت بلا مأوى، وكنت يومئذ مهاجرًا من بلدي، فاتصل أحد إخوتي وقال لي: أمك ستنام في الشارع إن لم ترسل لنا مفتاح بيتك لتنام أمك فيه ريثما نشتري لها بيتاً، وفعلاً أرسلت مفتاح بيتي، وسكنت أمي البيت، وهي إلى الآن فيه، وقد دام سكنها فيه أكثر من عشرين سنة، وأنعم الله علي واشتريت بيتاً آخر، وأوصيت أهلي وأولادي أن لا يُخرجوا أمي من البيت أبداً مهما طال الزمن أو قصر، لكن في يوم من الأيام قالت لي أمي أريد أن أشتري بيتك الذي أسكنه، فرفضت وقلت لها: إن هذا البيت لك طالما أنت تنعمين بالصحة، وبعد مدة فتحت هي نفس الموضوع (والظاهر أن هناك من يحرضها على ذلك من إخوتي)، وألحت بأسلوب شديد، فقلت لها حياءً منها، قد بعتك فقال بكم، قلت لها: بـثمانمائة ألف ليرة سورية، مع جهلي أنا أن العقار قد ارتفع سعره، وسألت عن سعره المقدر عند العقاريين فقالوا إن البيت قد يصل سعره إلى مليون وخمسمائة ألف ليرة، فذهبت لأمي وتراجعت عن البيع وغضبت مني كثيراً، فمن أجل أن أرضيها قلت لها زيدي من سعره، فقالت سأشتريه بمليون فرفضتُ، فزادت إلى المليون ومائة وخمسين ألف، وقالت: هل ستحاسبني بسعر الغريب! فاستحييت منها وقلت لها، بعتك بهذا المبلغ وهو لك، وكتبت عقد البيع واشترطتُ فيه أن العقد لاغ إذا لم أحصل على المبلغ خلال شهرين، ومضت الشهران ولم أقبض سوى تسعمائة وخمسين ألف ليرة فقط، فقلت قد التغى البيع. فقال أحد إخوتي: قد سألت دار الإفتاء وقال إن البيع قد تم في الاتفاق الأول، أي بسعر ثمانمائة ألف، ويجب أن يفرغ في البيت لأمه!! فما رأيكم؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كانت والدتك قد أقالتك من البيع الأول برضاها واختيارها، فالعقد الثاني عقد صحيح لازم لكل منكما، أما إذا لم تكن أقالتك برضاها واختيارها كأن تكون اضطرت لذلك لعدم وجود توثيق للعقد الأول في الدوائر المختصة أو حياء منك أو نحو ذلك، فالعقد الأول هو الصحيح اللازم.

وأما بالنسبة للشرط المذكور بأن تتسلم الثمن خلال شهرين وإلا بطل البيع، فعلى القول بصحة العقد الثاني، فهذا شرط صحيح، ولك أن تفسخ البيع، وهذا الشرط معروف عند الفقهاء باسم خيار النقد، جاء في مجلة الأحكام العدلية (المادة 313) ما نصه: إذا تبايعا على أن يؤدي المشتري الثمن في وقت كذا وإن لم يؤده فلا بيع بينهما صح البيع وهذا يقال له خيار النقد.

وجاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي: "خيار النقد" هو أن يتبايع اثنان على أنه إذا لم ينقد المشتري الثمن في مدة معينة، فلا بيع بينهما، فإذا نقد المشتري الثمن في المدة المحددة تم البيع، وإذا لم ينقده فيها كان البيع فاسداً.

وقد أجاز أبو حنيفة وصاحباه خلافاً لزفر هذا الخيار استحساناً لحاجة الناس إليه، ولأنه في الحقيقة نوع من خيار الشرط، ويؤيده أن ابن عمر أجازه.

هذا من حيث بيان الحكم الشرعي، لكن نوصيك بشدة أن تتسامح وتتساهل وترضي والدتك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، لعظم حقها عليك وقد روى ابن ماجه عن معاوية بن جاهمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ويحك، أحية أمك، فقال: قلت: نعم يا رسول الله، فقال: ويحك الزم رجلها فثم الجنة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني