الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لابد من الاستعانة بالله والدعاء مع الأخذ بالأسباب للنجاح

السؤال

لشدة حيرتي ورغبتي القوية في إيجاد حل لما أنا فيه والتخلص من معاناتي أرسلت لفضيلتكم ألتمس رأيكم لعلي أستخلص من حكمك جواباً يشفيني.. أنا طالب مغترب عن بلدي، سافرت إلى فرنسا للحصول على شهادة الماجستير والدكتوراه ضمن اختصاصي العلمي، فدراستي الجامعية كانت في فرع الرياضيات نلتها في أربع سنوات، ودبلوم في المعلوماتية خلال سنتين، كنت في جامعتي قبل قدومي إلى هنا طالباً موفقاً مما خولني للبعثة إلى فرنسا بلد الحريات على حد ما يصفها الجميع، كانت نتائج امتحاناتي ممتازة والحمد لله وكنت محط أنظار معظم أساتذتي خلال دراستي الجامعية وفي الدبلوم أيضا.. لم أكن في بلدي أعرف الله تعالى حق معرفته, كانت الدنيا تشغلني وتملأ قلبي, إلى أن وصلت بي الحال إلى الغربة, ووجدت نفسي هنا وحيداً بدون أهل وأصحاب، هنا في فرنسا رزقني الله معرفته سبحانه, فتقربت منه وعرفت ذنوبي وندمت على ما ضاع مني, وكان ذلك نتيجة لما حصل معي خلال عامي الأول بعد وصولي, ففي سنة الماجستير كان لدينا مواد نظرية نجحت بها كاملة والحمد لله, وموضوع بحث لم يقبل ظلما لأن أستاذي المشرف على بحثي قام برفضه وتركني لأعيد كتابة بحث آخر في العام التالي, (وكيف يحدث هذا؟ لم أسمع أنه حدثت في فرنسا قبل الآن.. طالب ينجح في المواد النظرية ولكنه لا يجتاز السنة)، ليس ذلك فحسب بل إنّ المشرف على بحثي استفاد من مقالاتي واعتمد عليها في أبحاث متقدمة نشرها على شبكة الإنترنت باسمه متناسيا أنه ظلمني واستغل تعبي وواضعا اسمه على أبحاثي مرفقا مع اسمي ناشراً إياها في مؤتمرات عالمية، أحمد الله على هذه الغربة وعلى تلك المحنة التي أيقظتني من غفلتي وجعلتني أعيد حساباتي وبدأت أعرف السبب الذي خلقت من أجله, إنني أحاول قدر استطاعتي إخراج الدنيا من قلبي وتصحيح أخطائي وتصويب غلطاتي, وكان ذلك والحمد لله بعد الاستماع إلى محاضراتكم ومتابعة دروس فضيلتكم حتى أنها أصبحت تأخذ معظم وقتي وتشغل تفكيري, لأنني شعرت بنقص شديد في ديني احتجت لترميمه, فهل أنا مخطئ في الانشغال عن دراستي ولو كان هذا منصبّا في متابعة دروس الدين والمحاضرات الفقهية، وهل سأحاسب على ذلك، تزوجت من مسلمة منذ سنة تقريبا, ونحن الآن بانتظار مولودتنا الأولى التي رزقنا الله إيّاها, أنا الآن في السنة الخامسة هنا في فرنسا, نلت خلالها شهادة الماجستير والحمد لله.. والآن أحضّر للدكتوراه, لقد اختاروا لي موضوعا جديداً كي أبحث فيه وأناقشه في السنة المقبلة إن شاء الله ولكنني أتعجب لأمور كثيرة تصادفني خلال عملي, فمثلا لقد تقدمت بمقال إلى مؤتمرين عالميين مختلفين ولكنه رفض في كليهما, مما أثر سلبا على نظرة أساتذتي لي بالرغم من موافقتهم على ما كتبته سابقا, خصوصا أنهم يريدون نقطة سوداء ليحملوني أضعاف ما أستطيع, أشعر بتفرقة في المعاملة عن بقية زملائي, يعود ذلك باعتقادي لأني عربي ومسلم الديانة, إنهم يطلبون مني أشياء هم لا يستطيعون فعلها بعد خبراتهم الطويلة, وهم يذكرونني دائما بالفرق بين دراستي في بلدي وأبحاثي الآن في المعلوماتية, غير أنني لم ألاحظ تفوقا علميا من قبل أصحاب هذا البلد علينا, وهذا رأي معظم الطلاب هنا أيضا إلا من رحم ربي، أعتذر عن الإطالة ولكن مشكلتي باختصار: فضيلتكم تتحدثون عن الأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء مع التوكل الكامل على الله تعالى, ولكنني لا أجد تلك الأسباب التي عليّ الأخذ بها, أعرف أن كلامي قد يكون مبهما وغير مفهوم, ولكن هذه هي الحقيقة, إنني لا أجد الطرق أمامي ممهدة كي أسلكها, فحتى الآن لم أقابل خلال بحثي مقالة أجد فيها ما يفيدني في رسالتي, أشعر أن لديّ طاقات مكبوتة لا ترى النور لكي تخرج, أرغب بأن أعود إلى وطني ومعي شهادتي وغايتي من ذلك أن أفيد بعلمي من حولي ومن سأكون لهم مدرسا في المستقبل, ولكنني لا أعرف ما السبيل لتحقيق ذلك؟ علما بأنه إن انقضت مدة إيفادي ولم أحصل على شهادتي لا قدّر الله وعدت إلى بلدي يتوجب عليّ حينها إرجاع المبالغ كاملة التي تكبّدتها الجامعة عليّ خلال فترة البعثة، فهل هذا ابتلاء من الله عزّ و جلّ، أم أنا مقصر وعليّ أن أعود إلى صوابي؟ وإن كنت فعلا كذلك فماذا يتوجب عليّ أن أصنع؟ أم أن هذا هو واقعي الذي عليّ أن أتعايش معه وأكيّف نفسي على ما أنا فيه، أشكر فضيلتكم على حسن استماعكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأولاً: احمد الله على توفيقه لك وهدايته، واعلم أن ما تمر به وإن كان محنة فقد يكون في طياتها كثير من المنح ولو لم يكن في ذلك إلا رجوعك إلى الله وتوبتك إليه لكفى، فننصحك بالأ تحبط وأن تحاول المرة بعد الأخرى، وتكرر ذلك فإن العظماء لا يعرف اليأس طريقاً إلى قلوبهم، وننصح بالدعاء الكثير لله أن ييسر لك أمورك ويهديك إلى أحسن الأسباب والأعمال والأخلاق، فالدعاء خاصة في أوقات الإجابة كالثلث الأخير لا يرده الله تعالى.

وإذا كنت مع اجتهادك قد بذلت الأسباب فلا تيأس بل عليك أن تجعل ذلك قاعدة للنجاح والانطلاق، فإن من لم يفشل لا ينجح، واستعن الله على هؤلاء الأساتذة واقرأ القرآن وارتبط بالله تعالى تجده عوناً وهادياً ونصيراً، أما الدروس التي قلت والمحاضرات فنرى أنه يمكنك الجمع والتوفيق بين ذلك وبين دراستك بعمل جداول منظمة بحيث لا يفوتك شيء من أمر دينك ولا أمر دنياك.. وبالله التوفيق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني