الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الشرط الذي اشترطته الشركة مناف لمقتضى العقد

السؤال

اشترى خالي -رحمة الله عليه- قطعة أرض من شركة، وقام ببناء غرفتين ومطبخ وحمام، وترك بقية الأرض مساحة شاغرة محاطة بسور، وبعد وفاته أقامت بها جدتي وخالتي مدة 7 سنوات؛ لأنه لم يكن متزوجًا، وبعد وفاة جدتي منذ أكثر من سنة عرض المنزل للبيع؛ ليتم تقسيم ثمنه حسب الشرع على الورثة، وبعد مزايدات متعددة من الراغبين في الشراء استقر السعر على 17500 دولار؛ نظرًا لموقع المنزل، ومساحته، وعند الذهاب لإتمام إجراءات البيع، فوجئوا بالآتي:
أ. يتوجب عليهم إحضار وثيقة رفع يد من الشركة التي باعت الأرض.
ب. وعند ذهابهم للحصول على هذه الوثيقة، تبين أنه لا يتم تسليمها إلا إذا كانت مساحة الأرض قد بنيت بالكامل حسب تصميم المهندس، وهذا ما لم يحدث -كما ذكرت أعلاه-، وهذا شرط موجود ضمن بنود العقد، ولا أحد يعلم إن كان خالي يعلم بهذا الشرط وتجاهله أم إنه لم يفهم شروط العقد جيدًا.
ت. هذا الشرط يقضي بمعاينة الشركة للأرض، وإذا تم بناؤها بالكامل، فتقوم بنقل الملكية، ورفع يدها عن الأرض، وإتمام البيع بصفة نهائية للمشتري، وهذا ما لم يقم به خالي.
وسيتم الآن نفس الإجراء، وبما أنه لم تتم بناء قطعة الأرض بالكامل، فالشركة ستقوم بتقييم المساحة المبنية، والمساحة الشاغرة، ودفع القيمة للورثة، وتقوم باسترداد المنزل، ولن يكون المبلغ كالسعر الذي حصلوا عليه.
ث. هم الآن لن يستطيعوا بيع المنزل بأنفسهم، والحصول على المبلغ المذكور إلا بصيغة واحدة، وهي دفع مبلغ معين لشخص، أو عدة أشخاص (لا أعلم)، وعند المعاينة يوضع أنه تم بناء المنزل بالكامل حسب شروط العقد؛ ومن ثم يحصلون على الوثيقة، ويقومون ببيع المنزل، حسب ما يناسبهم.
ج. وبما أن أمي من الورثة، فهي تسأل الأسئلة الآتية:
1. ما حكم هذا المال الذي سيتم دفعه؟
2. إذا كان رشوة، فهي بالتأكيد سترفض، ولكن أخوالي -وخصوصًا خالي الكبير-، لن يقتنع بذلك، وسيمضي قدمًا في ذلك، وقد صرح مسبقًا أنه لن يترك المنزل يضيع بأبخس الأثمان لمجرد أن هذا يعد رشوة، فما هو وضع أمي؟ وما الذي يتوجب عليها فعله؟
3. كيف ستعرف حصتها الحقيقية التي كانت ستحصل عليها لو تم الأمر بالصيغة القانونية المذكورة أعلاه؟ وكيف تحصل عليها؟
4. إذا لم تقم أمي بدفع المال، وقام خالي وحده بالدفع، فهل لها أن تأخذ نصيبها غير آثمة؛ رغم علمها بالوضع؟
5. إذا كان الوضع إجمالًا لا يجوز، فهل تأخذ نصيبها بعد البيع، وتتصدق به؟
6. هل تأخذ منه المبلغ الذي يغلب على ظنها أنه نصيبها من المبلغ القانوني، وتتصدق بالباقي؟ أم تتنازل عن نصيبها كليًّا؟
أرجو من فضيلتكم إجابتي إجابة مفصلة؛ حسب ترتيب الأسئلة؛ حتى لا يلتبس علينا الأمر، فنحن نتحرى الحلال، كما أمرنا الله سبحانه وتعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، ونرجو من فضيلتكم مساعدتنا، خصوصًا أن أمي كانت تنوي القيام بعمرة من نصيبها لو تم البيع منذ البداية، دون ظهور هذه الإشكالات.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فإن البيع إذا وقع بشروطه المعتبرة شرعًا، فهو بيع صحيح، لازم لكلا الطرفين، وبموجبه يمتلك البائع الثمن والمشتري المثمن.

ولا تتوقف صحته على التوثيق الإداري.

ولا يجوز اشتراط شرط يحجر على البائع أو المشتري، وهو ما يعرف بالشرط الذي ينافي المقصود، فإن وقع، فالشرط باطل، وقد اختلف في بطلان العقد بذلك، والراجح الصحة؛ إذا ألغي الشرط.

وبناء على ما ذكرناه؛ فإن شرط الشركة المذكور شرط مناف للمقصود، فإن ألغته، صح البيع، وإذا لم تلغه، فالبيع فاسد، لكنه هنا يمضي؛ للاختلاف في فساده، فقد قال ابن شبرمة بصحة البيع أو الشرط مطلقًا، وقال ابن أبي ليلى بصحة العقد دون الشرط.

والبيع المختلف في فساده يمضي، إذا كان المبيع بيد المشتري.

ومن مفوتات البيع الفاسد في الأرض: البناء عليها، إذا كان البيع عظيم المؤونة، ونحن نرى أن هذا البناء المذكور عظيم المؤونة، قال في الشرح الكبير ممزوجًا بمتن مختصر خليل: فإن فات المبيع فاسدًا بيد المشتري، مضى المختلف فيه، ولو خارج المذهب، بالثمن الذي وقع به البيع. وقال أيضًا، وهو يعدد مفوتات البيع الفاسد: وغرس، وبناء عظيمي المؤونة.

وعلى هذا؛ فبخصوص أسئلتك التي طرحت، فإن إجابتها كما يلي:

1- حكم المال الذي سيتم دفعه لتوثيق ملكية الأرض، إذا تعين دفع المال في سبيل الحصول على ذلك، فلا حرج فيه؛ لأن العلماء نصوا على جواز دفع الرشوة، إذا تعينت سبيلًا للحصول على الحق، مع منعها على آخذها (المرتشي).

2- لأمك أن تأخذ نصيبها من العقار، إذا تولى الخال دفع المال المذكور، وله أن يرجع عليها بما دفع عنها.

3- يتوقف تحديد نصيب أمك لو تم الأمر بالصيغة القانونية المذكورة على معرفة الورثة، الأمر الذي أهملت تحديده في السؤال.

وبقية أسئلتك تركنا الإجابة عنها؛ لأنها مبنية على احتمال غير وارد، وهو أن الوضع إجمالًا لا يجوز، والواقع خلاف ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني