الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إلحاق القاضي ولد الزنا بأبيه من الزنا

السؤال

إذا اعترف شخص بولد أو بنت ولكن عن طريق الزنا، فما الحكم في الشرع الإسلامي، علما بأن هناك دولا عربية وإسلامية لا تتقيد بالأحكام الشرعية فيحكم القاضي إما بنسب الطفل إلى والده أو نفي هذا الادعاء، فهل حكم القاضي جائز في الحالتين، وكذلك الأولاد عن طريق الزواج بالسر أو ما يعرف بالزواج العرفي وغيرها من الزواجات الباطلة هل ينسبون إلى آبائهم، بالرغم من نكران بعض الأشخاص، فأفيدوني يرحمكم الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كانت المرأة ذات زوج فإن كل من تلده حال قيام الزوجية ينسب لهذا الزوج، فلو ادعى رجل أنه زنى بهذه المرأة وولدت ولداً منه وأراد أن يلحق هذا الولد به دون زوج المرأة، فإنه لا يلحق به وإنما يلحق بالزوج.. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. رواه البخاري ومسلم.

قال النووي في شرح مسلم: ومعنى له الحجر أي له الخيبة ولا حق له في الولد. وهذا لا خلاف فيه.

أما إذا لم يكن للمرأة زوج وأراد الزاني أن يلحق ولده من الزنا بنسبه فإن هذا محل خلاف بين العلماء، والجمهور على أنه لا يلحق به، قال ابن قدامة في المغني: وولد الزنا لا يلحق الزاني في قول الجمهور وقال الحسن وابن سيرين: يلحق الواطئ إذا أقيم عليه الحد ويرثه، وقال إبراهيم يلحقه إذا جلد الحد أو ملك الموطوءة، وقال إسحاق: يلحقه وذكر عن عروة وسليمان بن يسار نحوه، وروى علي بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال: لا أرى بأساً إذا زنا الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها مع حملها ويستر عليها والولد ولد له. وأجمعوا على أنه إذا ولد على فراش فادعاه آخر أنه لا يلحقه، وإنما الخلاف فيما إذا ولد على غير فراش. انتهى.

وقال السرخسي من أئمة الحنفية في المبسوط: رجل أقر أنه زنا بامرأة حرة وأن هذا الولد ابنه من الزنى وصدقته المرأة فإن النسب لا يثبت من واحد منهما لقوله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر. ولا فراش للزاني. انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وأيضاً ففي استلحاق الزاني ولده إذا لم تكن المرأة فراشاً قولان لأهل العلم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر. فجعل الولد للفراش، دون العاهر فإذا لم تكن المرأة فراشاً لم يتناوله الحديث، وعمر ألحق أولاداً ولدوا في الجاهلية بآبائهم. وتراجع في هذا الفتوى رقم: 101965.

أما زواج السر أو الزواج العرفي، فإن كان المقصود به الزواج الذي لم يوثق عند القاضي لكنه استكمل أركانه من الولي والشهود والإيجاب والقبول فإن هذا الزواج صحيح، لكن ينبغي التوثيق حفظاً للحقوق، وأما إذا كان المقصود أن الزواج تم دون علم ولي المرأة كأن كانت المرأة هي التي زوجت نفسها، فهذا زواج باطل، لكن نسب الولد يثبت للزوج.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: ومن نكح امرأة نكاحاً فاسداً متفقاً على فساده، أو مختلفاً في فساده... فإن ولده منها يلحقه نسبه، ويتوارثان باتفاق المسلمين..

وأما حكم القاضي بثبوت النسب أو نفيه فإنه لا يغير حقيقة الحكم في الباطن، أما في الظاهر فإن كان حكم القاضي عن دليل معتبر فإن حكمه يرفع الخلاف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني