الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بطلان العقد بدون ولي، والآثار المترتبة

السؤال

أرجو المساعدة العاجلة في مشكلتي هذه رجاء: تعرفت على فتاة في أحد بلاد أوروبا، وقد أعجبتني وأعجبتها، وكدنا نقع في الزنا لولا أن تداركتنا رحمة الله عز وجل، أنا والفتاة فوق الثلاث والعشرين سنة، وهي بكر مسلمان، عاقلان، بالغان، لا نعاني من أيعاهة جسدية، أخذت بيدها، واتجهت أمام اثنين مسلمين عاقلين بالغين، وطلبت منهم أن يشهدوا على الزواج، ثم عرضت عليها الزواج بصيغة: (هل تقبلين الزواج مني على سنة الله ورسوله؟) أجابت بنعم، وذلك أمام الشاهدين اللذين أقرا بالشهادة، وكان العرض والإيجاب من قبلي وقبلها باللغتين العربية والأجنبية (لأن أحد الشاهدين لا يتكلم العربية) وعقدت لها مهراً مبلغا معينا من المال...
بالنسبة للإشهار، فهناك أكثر من مائة شخص يعلمون أنها زوجتي على سنة الله ورسوله، ولكن بسبب ظروف خاصة بها، لم نستطع إطلاع أهلي أو أهلها، يعني معظم معارفي يعلمون بموضوع زواجنا إلا عائلتي وعائلتها، وهنا السؤال الأول: هل عقد الزواج هذا صحيح.. بعد فترة من زواجنا، كان هناك بعض المشاكل بسبب طبيعة سرية الزواج عن الأهل، بالإضافة للكثير من السحر الذي حاول الإيقاع بيننا، وكذلك حسد شديد لكلينا، في بعض الفترات كانت المشاكل تصل حداً لا يطاق، ولا أجد سبيلا لإنهاء المشكلة إلا بالإيحاء للزوجة أني طلقتها بأن أقول لها مثلا ( أنتِ طالع) أو (أنت تالك) أو بعضا من هذه الكلمات ذات الوزن نفسه الخاص بصيغة التطليق، علما بأني لا أنوي الطلاق، ولا ألفظه، بل محاولة ترهيب، حتى تعود إلى رشدها، وعندها أخبرها أني لم أطلقها، بل كنت أتحايل بالألفاظ والنية خالية تماما من موضوع الطلاق، وهذا هو السؤال الثاني: هل تقع أمثال هذا الطلاق، خاصة وأن اللفظ والنية غير الطلاق نهائيا.. حصلت أزمة في الفترة الأخيرة اضطررتني للطلاق بحق، يعني قلت لها (أنت طالق) وقصدت وعزمت الطلاق، بطلقة واحدة فقط بعد حوالي أسبوعين من الطلاق دخلت غرفة طليقتي، وقلت لها راجعتك وقصدت بذلك إرجاعها إلى عصمتي، و أخبرتها أني أرجعتها، فرفضت ذلك، وقالت أنها غير موافقة على العودة، فأخبرتها أني غير مجبر على استشارتها عند إعادتها من الطلقة الأولى، ولكنها بقيت رافضة لذلك، وهنا السؤال الثالث:هل هي الآن زوجتي رغم رفضها أم لا، وهل هي ملزمة بالعودة للبيت الذي هجرته من يومها، فتكرموا علينا بالفتوى عاجلا بارك الله فيكم، لأن هناك أحد المواقع أقنعها بأن الزواج كان باطلا، وأنها كانت في حالة زنا معي، وأني خدعتها بأن أوحيت لها أننا متزوجين، وتبحث الآن عن زوج آخر وهي على ذمتي؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الذي يفهم من القرآن العزيز وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ومضت به السنة ونقل عن جماهير الصحابة ولم ينقل عنهم خلافه أن الولي هو الذي يزوج، وأنه لا بد منه، وأن الأنثى لا تزوج نفسها، قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ {النور:32}، وهو خطاب للرجال الذين يتولون العقد، وقال الله تعالى مخاطباً لعموم المكلفين: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:232}، فالآية صريحة في نهي الأولياء عن عضل الثيب، ولا يملك العضل إلا من بيده عقدة النكاح..

وأما السنة فقد روى أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن.. وهو يفهم أن حق مباشرة العقد للرجال، ولكنه أوجب أن يكون برضى النساء، فالثيب لا بد من أمرها صريحاً، ويكتفى أن تستأذن البكر فتسكت، ومن السنة أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. صححه الألباني.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بدون إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل.. رواه أصحاب السنن، وصححه الألباني، وروى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج نفسها. قال الألباني: صحيح.

أما الحنفية فقد رووا عن أئمتهم في المسألة روايتين، ظاهر الرواية أن نكاح الحرة العاقلة البالغة ينعقد برضاها ولو بدون ولي، ومع ذلك فقد قال في الهداية: وعن أبي يوسف أنه لا ينعقد بدون ولي، وعن محمد: ينعقد موقوفاً. وقولهما هو الموافق للأحاديث، فهل يصح أن يترك الحنفية هذا القول عندهم المؤيد بما رأيت من النصوص وعمل الصحابة لأجل تلك الرواية المخالفة لذلك؟!

ولذا فإنا نقول ببطلان هذا العقد الذي تم بدون الولي، ولكن لا تعتبر هذه العلاقة زنا وذلك مراعاة لقول من أجاز ذلك من الأحناف، ولوجود شبهة النكاح في هذا العقد، ومع كون هذا العقد فاسداً فإنه يفسخ بطلاق كما قاله بعض أهل العلم، وقد حصل الطلاق ولا عبرة بالرجعة بعده، ولك أن تتزوج هذه المرأة بعد العدة بعقد مستوفي الأركان والشروط. وللفائدة في ذلك راجع الفتويين التاليتين: 3395، 5862.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني