الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منع الأولاد من الحرية.. رؤية واقعية شرعية

السؤال

ما حكم أب حرم أبناءه من الحرية، فأفيدوني بالنصائح؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمفهوم الحرية الذي تقصده غير واضح لنا، ويتوقف الجواب على فهم المراد من هذا المصطلح, فإن كثيراً من الناس يطلق هذا المصطلح ويقصد به الانطلاق في إجابة داعي الهوى وتلبية رغبات النفس الأمارة, وتحصيل شهواتها سالكا في ذلك كل طريق, لا يبالي أوافق هذا الحق أم خالفه, أأرضى الله أم أسخطه، فكل همه هو تلبية شهوات نفسه وأهوائها في الميل مع الشهوات المحرمة كالزنا وشرب الخمر والقمار والاحتكار والتبرج ومجالسة أصدقاء السوء ونحو ذلك، وهذا هو اتباع الهوى المذموم في كتاب الله وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال سبحانه: فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى {النساء:135}, وقال سبحانه: وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ {ص:26}, فإن كان السائل يقصد أن الأب منع أولاده من مثل هذه الحرية، فنعم ما فعل وهو مأجور عند الله سبحانه, وهو ممن حفظ أمانة الله ولم يضيعها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذى على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم. رواه البخاري ومسلم.

وأما إن كان قصد السائل من الحرية هو حرمان الأولاد من حقوقهم وما أوجبه الله لهم, فهذا نوع من التقصير وهو مسؤول عنه أمام الله لأن للأولاد حقوقا عظيمة على آبائهم.

ومن هذه الحقوق: أن يُحسِن تربيتهم، ويتعاهدهم، وأن يحرص على وقايتهم مِن أسباب الهلاك والعَطَب في الدنيا والآخِرة, ومنها: أن ينفق على الصغير الفقير من الذكور وعلى الإناث حتى يتزوجن بالمعروف من غير إسراف ولا تقصير، لأن ذلك من حق أولاده عليه، وهو من شكر نعمة اللّه عليه بما أعطاه من المال، وكيف يمنعهم المال في حياته ويبخل عليهم به ليجمعه لهم فيأخذونه قهراً بعد مماته, ويدخل في أمر النفقة: أن يُطعِمه ويكسوه مثل ما يُكسَى من هو مثله, وأن يُوفِّر له المسكن حسب القدرة وجريان العرف.

فعلى الأب أن يتقي الله سبحانه في أولاده وأن يتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني.

ومما ينصح به الآباء في هذا المقام أن يشاوروا أبناءهم لأن الشورى خلق قرآني عظيم، قال سبحانه لسيد البشر صلى الله عليه وسلم: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ {آل عمران:159}، وقال سبحانه في صفات المؤمنين: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ {الشورى:38}، ويتأكد أمر الشورى فيما يخص الأمور الكبيرة في حياة الأولاد والتي تكون من أسباب استقرار حياتهم في المستقبل, كأمور الزواج مثلاً, فليس للأب أن يجبر ابنه على الزواج من فتاة لا يريدها, وليس للأب أن يجبر ابنته على الزواج من رجل لا ترضاه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها في نفسها وإذنها صماتها. رواه مسلم وغيره.

وفي النهاية ننبه على أن تقصير الآباء لا يبرر عقوق الأبناء لهم بأي حال من الأحوال، وللمزيد من الفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 15008، 96071، 78616.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني