الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا مقارنة بين ظلم المسلم لأخيه المسلم وسب النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال

أنا من العراق المحتل, أنتم تعلمون ما نزل بنا من بلاء وابتلاء عظيم نسأل الله أن يجنبنا الفتن ونحن في هذه الدوامة من المصائب المتتالية بدأنا نسأل أنفسنا لما الله أنزل علينا هذا الغضب كله ماذا فعلنا من معصية أدت إلى أن يغضب علينا الله كل هذا الغضب, هذه تساؤلات طرحناها على أنفسنا ولا نريد أن نشغلكم بهذه الأسئلة, دخلنا في نقاش هادئ مع شخص يطلق عليه صاحب علم وكان النقاش حول هذا الموضوع فقد قلنا نحن إن ما حل بنا هو سببه أن العراق من أكثر البلدان الإسلامية التي يسب بها الصحابة وزوجات الرسول وحتى الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه, لكن فوجئنا أن الشخص الذي يطلق عليه صاحب علم يقول إن العراق يكثر به ظلم المسلم لأخيه المسلم وقال إن ظلم المسلم للمسلم أعظم وأشد من سب الرسول أو الصحابة وزوجات الرسول، من هنا نحن نطلب منكم أن توضحوا لنا الأمر الذي أشكل علينا فهل ظلم المسلم للمسلم أشد وأعظم من سب ولعن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة وزوجات الرسول؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يفرج عن جميع المسلمين، وأن يرفع عن أهل العراق ما نزل بهم.

ولتعلم أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة؛ فقد روى ابن ماجه وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ! خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرَ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ. حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقَصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلاَّ أخِذَوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّة الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمَطَرُوا. وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُوِلِهِ، إِلاَّ سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً مِن غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَافِي بأَيْدِيِهمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ، وَيَتَخَّيُروا ممَّا أَنْزَلَ اللهُ، إِلاَّ جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ.

ولا شك أن ظلم المسلم وأذيته من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، فقد روى ابن ماجه وغيره عن عبد الله بن عمرو قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وما أطيب ريحك، ما أعظمك وما أعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك، ماله ودمه. صححه الألباني في الترغيب والترهيب.

ويكون الأمر أشد والجرم أعظم إذا كان الظلم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه بسبهم والكذب عليهم.. وقد قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً {الأحزاب:58}.

وإذا كانت هذه النصوص في عامة المؤمنين ؛ فما بالك بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين شرفهم الله تعالى بحمل هذا الدين العظيم إلى الناس كافة.

ثم إن الأمر يكون أفظع والخطب أجل.. إذا كان السب أو اللعن.. لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففاعل ذلك ملعون في الدنيا والآخرة ودمه مهدور في الشرائع الإلهية، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا {الأحزاب:57}. وقال صلى الله عليه وسلم في المرأة التي كانت تسبه: ..ألا اشهدوا أن دمها هدر. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.

وعلى ذلك فلا مقارنة بين ظلم المسلم لأخيه المسلم وسب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالأول جريمة عظيمة ومعصية نكراء..، ولكنها لا تقارن بسب النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو كفر بواح مخرج من الملة، يستحق صاحبه اللعن وهدر الدم وإن ادعى الإسلام. وللمزيد انظر الفتوى: 76955، وما أحيل عليه فيها.

ونحن ننصح إخواننا المسلمين بتجديد التوبة والإقبال على الله تعالى، فكل ما ذكر من المعاصي وغيره مما علم وما خفي هو سبب البلاء ولا شك؛ كما قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشُّورى:30}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني