الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حول القتل الخطأ والدية ومجازاة الجاني

السؤال

كان أخي رحمه الله مرافقا لزميله وزميله كان يقود بسرعة عالية في طريق ضيق بدون مراعاة وتسبب في حادث توفي على إثره أخي مصاباً بنزيف داخلي في موقع الحادث, والسائق لم يصب بأي أذى, وبعد مرور 3سنوات لم يتم أخذ أي إجراء على المتسبب في الحادث لا دفع ديه أو سجن, وأنا أريد معرفه الحق العام والحق الخاص الذي يقام على ذاك المتسبب في الحادث, حيث إنه الآن ما زال مستمرا بالسرعة وإزعاج الآخرين بالتفحيط بالسيارة، وهل يصلح أن يتنازل أهلي عن الدية بدون محكمة؟ أرجو الرد بسرعة.........

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما الحق العام وهو حق الدولة فالأصل أن الدولة ليس لها حق في القتل الخطأ، ولكن إذا كان هذا القتل ناتجا من استهتار كما هو حال القاتل المسؤول عنه فإن للدولة في هذه الحالة تعزيره بما تراه رادعا له ولأمثاله، وأما الحق الخاص فهو الحق في الدية، قال الله تعالى: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا. { النساء، 92}.

والدية في القتل الخطأ تكون في مال العاقلة ولا تكون في مال القاتل، وتجب الدّية في القتل الخطأ على العاقلة مؤجّلةً منجّمةً على ثلاث سنوات في كلّ سنة ثلث الدّية. وقد نقل الترمذي وابن المنذر الإجماع على أن الدية في القتل الخطأ تكون مؤجلة على ثلاث سنوات، ونقل الإمام الجويني الإجماع على أن الدية تكون على العاقلة في القتل الخطأ وشبه العمد كما ذكر ذلك الحسيني الحصني في كتابه كفاية الأخيار، وإن كان في المسألة خلاف ولكن هذا هو الراجح، فإن لم يكن له عاقلة ففي بيت المال، فإن لم يكن بيت المال، ففي مال الجاني كما هو أحد قولي الشافعي ورجحه ابن قدامة في المغني وهو الصحيح حتى لا تضيع الدماء ويفوت حكم إيجاب الدية.

وأما العفو عن الدية فلا يفتقر إلى حكم محكمة وهو مندوب ورغب وحث عليه الشارع، ومن النّصوص الدّالّة على النّدب في العفو عن الدية قوله تعالى: يا أيُّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عليكم القِصَاصُ في القَتْلَى الحُرُّ بالحُرِّ والعَبْدُ بالعَبْدِ والأُنْثَى بالأُنْثَى فَاتِّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وأَدَاءٌ إليه بِإِحْسَانٍ ذلك تَخْفِيْفٌ منْ رَبِّكُم وَرَحْمَة {البقرة: 178} الآية، وقوله تعالى: وكَتَبْنَا عليهم فيها أَنَّ النَّفْسَ بالنَّفْسِ إلى قوله والجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ به فهو كَفَّارَةٌ له الآية: {المائدة: 45} أي كفّارة للعافي بصدقته على الجاني، وإذا كان هذا في حال العمد ففي حال الخطأ أولى.

ولكن العفو ينبغي أن يلاحظ فيه الإصلاح، فإن كانت بوادر التوبة قد ظهرت على هذا المتسبب في هذا القتل وكانت به حاجة فالأفضل العفو عن الدية، وإلاَّ فالأفضل أخذ الدية منه لكي ينزجر ثم لكم بعد ذلك أن تتصدقوا بها إن أحببتم ذلك.

وتراجع الفتوىرقم: 22983، والفتوى رقم: 18249.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني