الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يباح الجمع لمن لا يمكنه أداء صلاة العصر في مقر عمله ؟

السؤال

سؤالي هو عن قصر الصلوات وجمعها فنحن مجموعة من الشباب يبدأ العمل الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا ثم فترة راحة إلى الساعة الثالثة، وتبدأ الفترة المسائية من العمل من الساعة الثالثة ظهرا إلى السادسة مساء، ومقر عملنا في الأمم المتحدة بنيويورك، ولا نستطيع أداء صلاة العصر في جماعة ولا في وقتها، علما بأنه يوجد مكان للصلاة لكنه يقفل بعد صلاة الظهر ولا يعاد فتحة، فهل يجوز لنا أن نجمع بين صلاة الظهر والعصر دون قصر،. وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

وقبل أن نجيب على سؤالكم لا بد أن نذكركم بأمرين مهمين:‏
أولاً: أن المؤمن حقاً هو الذي يقدم أمر الله تعالى على كل ما سواه، وينقاد له طيبة به ‏نفسه مطمئنة إليه، موقنة أن الخير كله في ذلك، وأن الشر كله في خلاف ذلك، فيقوم ‏بأمر الله تعالى امتثالاً واجتناباً قدر استطاعته مستشعراً دائماً أن الله مطلع عليه مراقب له.‏
‏ثانياً: أن شرع الله تعالى ليس بالمتحجر الذي لا يتماشى مع ظروف الناس وأحوالهم ولا ‏يراعي حاجياتهم وضرورياتهم. وليس بالمتسيب الذي لا معنى للأوامر والنواهي فيه. ومنه ‏ما هو عزائم ومنه ما هو رخص يأخذ بها من احتاج إليها، فهو صالح لكل زمان ومكان، ‏وملائم لكل الظروف والأحوال، أنزله العليم بشؤون خلقه الحكيم في تشريعاته. (أَلا يَعْلَمُ ‏مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14] ‏
ومن هنا نقول: إن الصلاة التي هي أحد أركان هذا الدين قد أوجبها الله تعالى على ‏عباده، وحدد لها أوقاتاً تؤدى فيها في حال السعة والاختيار، ورخص في أن يقدم بعضها ‏عن ذلك الوقت المحدد له، أو يؤخر عنه في حال الضرورة أو المشقة المعتبرة شرعاً، ‏كالخوف والمرض والسفر والمطر ونحو ذلك، رفعاً للحرج عن عباده المؤمنين وتوسيعاً ‏عليهم رحمة بهم ولطفاً. وعلى ذلك فعليكم أن تجتهدوا في أداء كل صلاة في وقتها، وإذا ‏كانت طبيعة عملكم فيها تعارض مع ذلك فعليكم أن تزيلوا ذلك التعارض بأن تبينوا ‏لجهة عملكم أن هذا الوقت الذي تؤدون فيه هذه العبادة التي أوجبها الله تعالى عليكم- ‏والتي هي أهم أعمالكم في حياتكم- لن يتجاوز عشر دقائق بالكثير، لا يمكنكم التنازل ‏عنه ولا التفريط فيه. واعلموا أنه لا يشترط أن تصلوا الصلاة جماعة إذا لم يمكن ذلك، ‏كما لا يشترط أن تصلوها في المكان المعد للصلاة، فكل بقعة من الأرض طاهرة تجوز ‏الصلاة فيها، فإن من خصائص هذه الأمة ومن فضل الله عليها ورحمته أن الأرض كلها ‏لها مسجد طهور، ففي الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال مبيناً الخصال ‏الخمس التي خصه الله بها دون سائر النبيين " وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما ‏رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل…" متفق عليه. فإذا وافقت جهة العمل على ‏طلبكم هذا، وذلك هو المظنون وخاصة إذا طرحتموه بقوة وبما أتيح لكم من ثقل، فإن ‏المشكلة قد انجلت، والحمد لله رب العالمين.‏
وإن لم توافق على ذلك فعليكم أن تبحثوا بحثاً جاداً عن عمل آخر تستطيعون معه أداء ما ‏أوجب الله تعالى عليكم حسب ما شرع.‏
وقبل الحصول على ذلك العمل فلا حرج أن تستمروا في عملكم الحالي إن كنتم بحاجة ‏ماسة إليه، وقدموا صلاة العصر واجمعوها مع صلاة الظهر لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏جمع ذات مرة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا ‏مطر، كما في الصحيحين والسنن.‏
ولا تستمرئوا هذه الحالة واندموا عليها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جمع ليكون ‏فعله ذلك مخرجاً لأمته في حال حصول الحرج والمشقة، كما صرح بذلك ابن عباس -رضي ‏الله تعالى عنهما- راوي الحديث، ولم تكن عادة النبي -صلى الله عليه وسلم- الجمع، وإنما ‏كانت عادته أن يصلي كل صلاة في وقتها المحدد لها.‏
وأخيراً، نوصيكم بتقوى الله عز وجل ومراقبته وطلب مرضاته وحده سبحانه وتعالى، فإن ‏من اتقاه حق التقوى نعم في حياته، وسعد بعد مماته، ويسر الله أمره، ورزقه من حيث لا ‏يحتسب. قال سبحانه وتعالى: ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً* ويرزقه من حيث لا ‏يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً ) ‏‏[الطلاق:2-3] ويقول في الآية التي بعد ذلك ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً) ‏
ونلفت انتباهكم إلى أن تعيدوا النظر في إقامتكم في تلك البلاد التي الأمر فيها والسلطان ‏للكفار، فإن المسلم لا يجوز له أن يقيم في بلاد الكفر إلا لضرورة ملجئة أو حاجة في ‏معناها أو تقاربها.‏
وراجع الفتوى رقم:‏ 2007
والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني