الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصلاة من التكبير إلى التسليم

السؤال

لماذا لا يوجد في إسلام ويب باب عن كيفية الصلاة بالتفصيل لمن لا يعرف، وشكرا..

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجزاك الله خيرا على نصحك وتوجيهك، وسنأخذ ما ذكر بعين الاعتبار، غير أنه ينبغي أن تعلم أن في مركز الفتوى جزءا ضخما ضمن قسم العبادات متعلقٌ بصفة الصلاة، وهو مشحونٌ بالفتاوى النافعة التي تعين المسلم على أداء الصلاة على وجهها، ونحن نذكرُ لك مختصراً لكيفية الصلاة من التكبير إلى التسليم، ونبينُ الواجب من تلك الأفعال والمسنون منها، مشيرين إلى الأدلة وخلاف العلماء باختصار.

فعلى المسلم أن يقوم في الصلاة بخشوعٍ وإقبالٍ على الله واستحضارٍ لعظمته تعالى.

ثم القيامُ في الفريضة ركنٌ لا تصحُ الصلاة بدونه، فلو قعد في الفريضة مع قدرته على القيام لم تصحَ فريضته، وأما في النافلة فيجوزُ الجلوس مع القدرة على القيام وللقاعدِ نصفُ أجر القائم.

فإذا قام العبدُ في صلاته نوى بقلبه الصلاة المعينة التي يريدُ أداءها ولا يُشرع له أن يتلفظ بلسانه، والنيةُ من شروط الصلاة أو أركانها، لحديثِ: إنما الأعمال بالنيات. متفقٌ عليه.

ثم يكبرُ تكبيرة الإحرام، وتكبيرةُ الإحرام ركنٌ لا تنعقدُ الصلاة بدونها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: وتحريمها التكبير. رواه أبو داودَ وغيره وصححه الألباني، ولا يجزئُ غير لفظ (الله أكبر) ويسنُ عند تكبيرة الإحرام بالإجماع أن يرفعَ يديه حذو منكبيه أو حذو فروعِ أُذنيه ناشراً أصابعه، جاعلاً بطونهما إلى القبلة، وله أن يرفع يديه قبل التكبير أو معه أو بعده.

ثم يضع يمينه على شماله على صدره، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعلُ ذلك، وهذا القبض سنة لو تركهُ لم تبطل صلاته.

ثم يدعو بدعاء الاستفتاح، وهو كذلك سنة، وألفاظه كثيرة أخصرها: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ، وأصحها: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوبُ الأبيضُ من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد، وإذا استفتح بغيرِ ذلك من الثابت عنه صلى الله عليه وسلم جاز.

ثم يتعوذ، والتعوذُ سنة عند الجماهير، والذي رجحه ابن القيم أنه يتعوذ في أول ركعةٍ فقط، ولا يكررُ التعوذ في الركعات الأخرى.

ثم يقرأ الفاتحة، وهل البسملة آيةٌ منها أو لا ؟، قولانِ معروفان للعلماء، والذي ينبغي ألا يتركها بحال، خروجاً من الخلاف، وقراءةُ الفاتحة ركنٌ من أركان الصلاة في كلِ ركعةٍ من ركعاتها، وهل يقرؤها المأموم في الصلاة الجهرية؟، في المسألة خلافٌ معروفٌ للعلماء، والذي نراه وجوب قراءتها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب متفقٌ عليه، وهذا مذهبُ الشافعي رحمه الله، وعليه أن يحرصَ على قراءة الفاتحة، من غيرِ أن يُسقطَ شيئاً من حروفها أو شداتها، ومن غير أن يبدل منها حرفاً بحرف، فإن ذلك من مبطلات الصلاة. فإذا فرغَ من قراءة الفاتحة أمَّن، والتأمينُ سنة.

ثم يقرأُ ما تيسرَ بعد الفاتحة، في الصبح والجمعة والأوليين من الظهرِ والعصر والمغرب والعشاء، ويحرصُ على تحري هدي النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة، والقراءةُ بعد الفاتحة سنة، لا تبطل الصلاة بتركها، ويسنُ له أن يجهر في الفجر والجمعة، والأوليين من المغرب والعشاء، ويسرُ فيما سوى ذلك.

ثم يكبرُ للركوع، وتكبيرات الانتقال للركوعِ والسجود والرفع منه ونحو ذلك يوجبها الحنابلة، ويرى الجمهورُ أنها سنة، فلا ينبغي له أن يُخل بها بحال، ومحلُ تكبيرات الانتقال أثناء الانتقال إلى الركن، لا قبل الانتقال ولا بعده، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يكبرُ حين يركع وحين يهوي للسجود، ويرفعُ يديه مع التكبير، ورفع اليدين هنا وعند الرفع من الركوع وعند القيامِ إلى الركعة الثالثة سنةٌ عند الجمهور، خلافاً لأبي حنيفةَ وأكثر المالكية رحمهم الله.

وصفة الركوع المسنون، أن يقبض بيديه على ركبتيه مُفرجاً بين أصابعه، ويمدُ ظهره، ويجعلُ رأسه بحيال ظهره، ويقولُ: سبحان ربيَ العظيم وجوباً عند الحنابلة واستحباباً عند الجمهور، وأقلُ الذكر مرة، وأقل الكمالِ ثلاث، ولو زادَ من المرويِّ ذكراً آخر كان حسنا، كأن يقول: سبوحٌ قدوسٌ رب الملائكةِ والروح. أو سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي.

ثم يرفعُ رأسه من الركوعِ قائلاً: سمع الله لمن حمده، فإذا استوى قائماً قال: ربنا ولك الحمد وجوباً عند الحنابلة واستحباباً عند الجمهور، ولو زاد على هذا الذكرِ من الثابت كان حسناً، كأن يزيد ملء السموات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيءٍ بعد، أهلَ الثناء والمجد، أحقُ ما قال العبد، وكلنا لكَ عبد، اللهم لا مانعَ لما أعطيت، ولا معطيَ لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، أو يقول: ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه . والراجح أن المأموم لا يُسمِّع خلافاً للشافعي رحمه الله. ثم يخرُ ساجداً، وهل يستقبل الأرضَ بركبتيه أو بيديه، قولانِ معروفان للعلماء، وقد اتفقوا على صحة صلاة من فعل هذا أو هذا، ولكن الخلافَ في الأفضل، ثم يسجد على أعضائه السبعة، التي أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجودِ عليها، وهي القدمان والركبتان والكفان والجبهة مع الأنف، ويرفعُ بطنه عن فخذه، ويجافي بين عضديه وجنبيه، ويضعُ كفيه حيال منكبيه، ويستقبل بأصابع رجليه القبلة، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى وجوباً عند الحنابلة واستحباباً عند الجمهور، ويزيدُ من الذكر الثابت ما شاء، ويكثرُ من الدعاء. ثم يرفعُ رأسه مكبراً ويجلسُ بين السجدتين، مفترشاً رجله اليسرى وينصبُ اليمنى، وإن شاءَ نصبَ رجليه وجلس على عقبيه، وهو الإقعاءُ المسنون، ويقول في تلك الجلسة: رب اغفر لي وجوباً عند الحنابلة واستحباباً عند الجمهور.

ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى، والركوع والرفع منه والسجود والرفع منه، والاعتدالُ بعد الركوع، والاعتدالُ في الجلسة بين السجدتين، والطمأنينةُ في ذلك كله، من واجبات الصلاة التي لا تصحُ بدونها.

ثم ينهضُ إلى الركعة الثانية، ويسنُ عند الشافعي وجماعة أن يجلسَ قبل قيامه إلى ثانية جلسةً خفيفة، هي جلسة الاستراحة، وفيها حديثان صحيحان.

ثم يصلي الثانية كالأولى، لكن يُسنُّ أن يجعلها أخف منها.

ثم يجلسُ في آخر الثانية للتشهد، فإن كانت الصلاةُ ثنائية، فالتشهدُ والجلوسُ له من الواجبات عند الجمهور، وصفة الجلوس أن يفرشَ اليسرى ويقعد عليها، وينصب اليمنى، ويضع يده اليسري على فخذه اليسري، ويده اليمنى على فخذه اليمنى، ويقبضُ الخنصر والبنصر، ويحلقُ الوسطى والإبهام، ويشيرُ بالمسبحة باليد اليمنى، ثم يقول التشهد، ويتشهدُ بلفظٍ ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحُ ما ورد في ذلك تشهد ابن مسعود، ولفظه: التحياتُ لله، والصلوات والطيبات، السلامُ عليكَ أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاةَ الإبراهيميةَ المعروفة، والصحيحُ وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ثم يتعوذ من الأربع، من عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وشر فتنة المسيح الدجال، وجوباً عند الظاهرية وجماعة من المعاصرين، وهو قول بعض السلف، واستحباباً عند الجمهور، ثم يدعو بعدُ بما شاء، فإذا فرغ من دعائه سلم تسليمتين عن يمينه وشماله، والصحيحُ أن التسليمةَ الأولى واجبة، لا يخرجُ من الصلاةِ إلا بها، والثانيةُ سنة.

فإذا كانت الصلاة ثلاثيةً أو رباعية، فإنه يجلسُ للتشهد الأول وجوباً عند الحنابلة، واستحباباً عند الجمهور، ثم يقومُ فيأتي بالثالثة والرابعة، ويجلسُ للتشهد الأخير، الذي قدمنا حكمه وصفته، والمستحبُ في هذا التشهد أن يجلسَ له متوركاً، بأن يجلس على فخذه اليسرى وينصب قدمه اليمنى ويجعل اليسرى قدامها.

فإذا فرغ من الصلاة أتى بالمشروع من الأذكار استحباباً كقراءة آية الكرسي، والتسبيح ثلاثاً وثلاثين، والتحميد ثلاثاً وثلاثين، والتكبير ثلاثاً وثلاثين، ويجعلُ تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، وغير ذلك من الأذكار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني