الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إساءة الأم إلى بناتها وكتابتها أموالها لولدها دونهن

السؤال

نحن 3 بنات 2 ولد وأخ متوفى، أمي طوال حياتها تعامل البنات بقسوة شديدة لا حنان ولا رحمة وتقول أنا هكذا لا أحب البنات، الـ 3 بنات تزوجن ومعظم الوقت لا ترد علي التليفون إلا إذا كانت تريد طلبا أو خدمة من البنات وهي غنية جداً وبخيلة جداً وخاصة على البنات فهي تقول أنت ومالك ملك لأبيك وتطمع فينا على الرغم من توسط حالتنا المادية فنحن الـ 3 بنات موظفات ولدينا أطفال تدعو عليهم أمي ساعة صلاة الجمعة أن يموتوا في حادث مثل خالهم ولا تحبهم، وبنت عمارة تقدر بملايين باسم أخي حتي لا نرث فيها، وجزء مما تملك باسم نفس الأخ وتقول أنا حرة في مالي والله لا أورث في أولاد الرعاع المقصود نحنا وأولادنا، لو واحدة منا احتاجت ولجأت لها ترفض وتدعي الدين والفقر ونحن الـ 3 بنات نراعي الله علي قدر ما نستطيع لأن تصرفاتها معنا تغضبنا جداً ونحن لا نريد طول حياتها معنا غير الحنان والرحمة والعطف، مع العلم بأنها تقوم الليل وعابدة جداً ومع ذلك سليطة اللسان وكثيرة الدعاء على الناس، ودائما تشكو ظلم الناس وقسوتنا معها ولو عرفت أننا زرنا بعضا تغضب جداً وتقول أنتم عاملون علي حزبا، للعلم أننا نحاول إرضاءها ليس حبا فنحن نكرهها ولكن خوفا من الله وهي والله أعلم تحس بذلك، المهم وصى الله بالوالدين إحسانا ومن الكبائر عقوق الوالدين فهل للأبناء حق على آبائهم وهل من حق الوالدين التقصير في حق الأبناء وليس عليهم حساب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن هذا الذي تفعله أمك ظلم وتعد وتشبه بأخلاق الجاهلية الأولى؛ لأن من أخلاق أهل الجاهلية بغض البنات, قال سبحانه في وصف حالهم: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ {النحل:58-59}، وأما العمارة التي بنتها وكتبتها باسم أخيكم فهذا صريح الجور والظلم بشهادة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، ففي الحديث المتفق عليه عن النعمان بن بشير رضى الله عنهما، قال: سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي وأنا غلام، فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال: ألك ولد سواه؟ قال: نعم، فقال: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال: فلا تشهدني إذاً فإني لا أشهد على جور. وفي رواية: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم.

وفي لفظ لمسلم: ثم قال: أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذن.

وقد اختلف العلماء في من فضل بعض أولاده على بعض هل ينفذ تصرفه أو يكون باطلا؟ على قولين:
الأول: أن هذا التصرف باطل، وبه قال جماعة من العلماء كطاووس والقرطبي وشيخ الإسلام ابن تيمية وروي عن الإمام أحمد وقال به أيضاً أهل الظاهر، وحجتهم ظاهر النصوص المتقدمة.

الثاني: يصح تصرفه، وبه قال الجمهور.
والقول الأول هو الصحيح الراجح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه جوراً، وما كان جوراً فهو باطل لا يجوز، ولأمره صلى الله عليه وسلم بالرد، والرد ظاهر في الفسخ،
ثم إنه ينشأ عن ذلك العقوق الذي هو أكبر الكبائر، وذلك محرم، وما يؤدي إلى المحرم فهو ممنوع، وهذا كله ظاهر قوي، وترجيح جلي في المنع، فيجب على الأم أن تسوي بين أولادها وذلك بأحد أمرين: إما برد ما فضل به البعض، وإما بإتمام نصيب الآخرين، إلا أن أهل العلم ذكروا أنه لا حرج في أن يخص الأب بعض أبنائه دون بعض إذا كان ذلك لمعنى كالزمانة (المرض) أو كثرة العيال.

قال ابن قدامة في المغني: فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثر عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل.... إلى أن قال: فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك.

وأما دعاؤها على أولاد بناتها فهو حرام، فقد أخرج مسلم وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تدعوا على أنفسكم و لا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم.

وأولاد بناتها أولاد لها، ولتعلم هذه الأم أنها بإساءتها إلى بناتها ضيعت بابا عظيما من أبواب طاعة الله ورضوانه, ففي صحيح البخاري أن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت: جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني، فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال: من يلي من هذه البنات شيئا فأحسن إليهن كن له ستراً من النار.

ولكننا نؤكد على أن الأم وإن خالفت أمر الله فظلمت أولادها وفاضلت بينهم فإنه لا يجوز للأولاد أن يعقوها، ولا أن يضيعوا حقها من البر والصلة؛ فقد أمر الله ببر الوالدين وشكرهما، ولم يعلق ذلك على شيء، ولو كان الأبوان كافرين، كما قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا {لقمان:15}، فأدوا ما عليكن من حقوق تجاه الأم, واحتسبوا حقوقكم عند رب العالمين فإن الله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا ولا يظلم مثقال ذرة.

وللفائدة تراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 5348، 19505، 25211.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني