الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يلزم طبيبة النساء إذا مات الجنين بتقصير منها

السؤال

أنا طبيبة نساء يحدث وأن يتوفى جنين في بطن أمه بتقصير منا دون أن نتعمد ذلك خاصة من نقص الإمكانيات و كثرة المرضى علينا أو من شدة التعب من كثرة العمل و نحن مجبرون على العمل في ظروف قاسية فماذا علينا في حق هؤلاء الأطفال الذين يتوفون في هذه الظروف؟
شكرا على الإيضاح بدقة و تفصيل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالخطأ هو ما ليس للإنسان فيه قصد، ومثاله: أن تزل يد الطبيب، وينشأ عن ذلك ضرر بجسم المريض، فهذا النوع لا يترتب عليه تأثيم فاعله، لقوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ {الأحزاب:5}

ومن ثم لا تتعلق به مسؤولية في الآخرة، لكن يجب على صاحبه ضمان ما نشأ عن خطئه من جنايات. بخلاف ما إذا أتقن الطبيب عمله وأعطى المهنة حقها، ثم حصل ضرر لا يد له فيه فإنه عندئذ لا يضمن. وقد سبق بيان ذلك في عدة فتاوى، منها الفتويين: 5178 ، 5852.

وفي الحالة الواردة في السؤال وهي وفاة جنين، إن كان ذلك بسبب تقصير الطبيبة فتلزمها الدية إذا كان هذا الجنين قد تبينت فيه خلقة الإنسان، وذلك بعدما يمر عليه أربعون يوما في بطن أمه، ولا تسقط هذه الدية بقدم الزمن. كما سبق بيانه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 18906، 50129، 11789.

ومقدار هذه الدية غرة عبد أو أمة، لما في الصحيحين أن أبا هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة.

وقيمة هذه الغرة – حيث لا توجد الآن – خمس من الإبل: عُشر دية الأم، فإن ديتها خمسون من الإبل، كما سبق في الفتويين: 9332، 68559.

والأصل في وجوب الدية قوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا {النساء:92}.

وهذه الغرة، هل تجب على العاقلة أم من مال الجاني؟ محل خلاف بين أهل العلم، والأكثر على أنها على العاقلة، وقد سبق سرد أقوال أهل العلم في ذلك، في الفتوى رقم: 11681.

وأما الكفارة ـ وهي صيام شهرين متتابعين فقد اختُلف في وجوبها أيضا، والأحوط فعلها، ولا تكفي كفارة واحدة عن جميع الحالات، بل لكل جنين كفارة مستقلة. كما سبق في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 13171، 76990، 45029.

ثم ننبه السائلة الكريمة إلى أن هذه الوفاة إن حصلت بسبب نقص الإمكانيات أو كثرة المرضى وانشغال الطبيب بأحدهم عن الآخرين، وما إلى ذلك من ظروف العمل، فهذا ليس للطبيب فيه دخل، وليس عليه فيه ضمان، فالطبيب لا يُلزم إلا بتعديه وما جنت يداه، وحصل بسبب تقصيره وتفريطه هو.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني