الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم خلوة الطيار بمساعدته الأجنبية عنه في قمرة القيادة

السؤال

أرجو إجابتي بكل وضوح وشكرا أعمل قائداً للطائرة في إحدى شركات الطيران. الشركة قررت توظيف مساعدات طيارين نساء. قمرة القيادة يجب أن تكون مقفلة ولا تفتح إلا من قبلي أنا و ذلك لضمان أمن قمرة القيادة من العابثين. أي أنني و المساعد أو المساعدة نكون لوحدنا في قمرة القيادة المقفلة أثناء الطيران. معظم المساعدين من الذكور وبذلك فإنني لن أضطرّ للعمل مع مساعدة أنثى إلا لأيام متفرقة قليلة في السنة، مع العلم بأنني أستطيع مبادلة رحلاتي مع طيارين آخرين قبل موعد الرحلة بأيام، و لكن أحياناً في ظروف استثنائية يتم تبديل جدول رحلتي قبل الرحلة بوقت قصير و حينها قد يحدث أن يكون المساعد على تلك الرحلة امرأة، و لكن هذا يحدث نادراً، و لا تسمح قوانين الشركة بأن أطلب عدم العمل مع مساعدة امرأة لأنها ترى في ذلك تمييزاً ضد المرأة. فهل يجب علي ترك العمل مع أن احتمال طيراني مع مساعدة امرأة ضعيف جداً. و إذا ترك الصالحون (و لا أدعي بأني منهم) العمل في شركات الطيران، ألن يكون ذلك تركاً للساحة ليملأها غير الصالحين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فضابط الخلوة كما صرح به بعض الفقهاء أنه اجتماع لا تؤمن معه الريبة عادة، ومن المتفق عليه أن هذه الخلوة بامرأة أجنبية محرمة شرعا، والأجنبية هي من ليست زوجة ولا محرما، والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه.

جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أن الخلوة بالأجنبية محرمة، وقالوا: لا يخلون رجل بامرأة ليست منه بمحرم ولا زوجة, بل أجنبية، لأن الشيطان يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما لا يحل, قال صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. وقالوا: إن أم بأجنبية وخلا بها, حرم ذلك عليه وعليها اهـ.

وقد سبق بيان ذلك، وأن أهل العلم المعاصرين قد حرموا انفراد المرأة بالأجنبي في السيارة والمصعد الكهربائي، والخلوة بالطبيب والمدرس، وجعلوا هذا من الخلوة المحرمة أو في حكم ذلك، وانظر في الفتوى رقم: 60438 ، كما سبق بيان حكم خلوة الموظف مع الموظفة الأجنبية في مكان العمل في الفتوى رقم:99790 .

وفي الصورة التي هي محل السؤال يزيد الأمر نكارة لما هو معلوم من التبرج الفاحش للنساء اللاتي يعملن في مجال الطيران. وأنهن يسافرن بغير محرم، وفي الغالب يكون فيهن شيء كبير من الخلاعة والمجون، وقد يكن غير مسلمات أصلا، وهذا كله يتأكد به على السائل الكريم أن لا يعرض نفسه للفتن ولو احتمالا، وقد سبق التحذير من فتنة النساء في عدة فتاوى، منها الفتوى رقم: 35047، كما سبق التحذير من سفر الأجنبي مع الأجنبية في الفتوى رقم: 43199.

فهذا العمل الذي لا يمكن فيه اجتناب المحرمات ـ لا يجوز شرعا.

وأما قول السائل الكريم (إن ترك الصالحين للعمل في شركات الطيران يعني تمكين غير الصالحين منها). فليس بصحيح، فإننا لم نحرم العمل في مجال الطيران، بل حرمناه في الظروف المذكورة في السؤال، والتي تعني وقوع المسلم في أمر منكر، وارتكابه للحرام، وتعريض نفسه للفتن. وأما غيرها من شركات الطيران الخالية من هذه المنكرات فلا بأس بالعمل بها. فالصواب أن نقول: إن ترك الصالحين للمجالات المحرمة في العمل يعني تمكين غيرهم منها. وهذا ليس بمستغرب ولا مستهجن، بل هو اللائق بكل منهما؛ إذ إن الذي لا يعتني بحل مكسبه ولا يلتفت لحاله مع ربه، لا يستغرب منه ارتكاب مثل هذه المحرمات.

وأما الصالحون فلا، ويمكن لمزيد الفائدة مراجعة الفتوى رقم: 19565 ، وعلى أية حال فنحن مطالبون بتطويع أحوالنا لتوافق شريعة الله، وأما تطويع الشريعة لتوافق الأهواء أو الآراء أو الظروف فهذا لا يحل في دين الله، وقد خاطب الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ{الشورى: 15}.

وقال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {القصص: 50}.

وقال عز وجل: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ {محمد:14}.

وقال تبارك وتعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ {المؤمنون: 71}.

والله أعلم.



مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني