الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأخذ بفتيا من يوثق به وترك التشديد على النفس

السؤال

بالنسبة للفتوى رقم : 117333 : الوعد بالطلاق وحكايته هل يقع بهما الطلاق.
تأخر رد فضيلتك على السؤال، وأهل المرأة أرادوا مني الدخول بها بسرعة، فأعطيت السؤال لعدد من الشيوخ وأساتذة الفقه إلى أن يصلني ردكم إلا أن ما حدث غريب حيث جاء رد فضيلتكم وردهم متوافق في الحالة الأولى بعدم وقوع الطلاق.
أما الحالة الثانية فحدث اختلاف حيث أفتى عدد من الشيوخ وأساتذة في الفقه حوالي أربعة أو أكثر بالإضافة إلى فضيلتكم بعدم وقوع الطلاق، وأفتى اثنان من أساتذة الفقه بخلاف ذلك.
فالمساعدة التي أطلبها من الله ثم من فضيلتك هي الحالة الثانية محل الخلاف، وها هو تفصيل أكثر للحالة الثانية حتى تقول لي ماذا أفعل بعدما وجدت الفتويين مختلفتين في الحالة الثانية:
عندما اتصلت بالشيخ لسؤاله عن كلمة أطلقها أو تتطلق (المذكورة في الحالة الأولى) قال لي إنه يريد أن يصلى العصر لأن وقت المغرب قد قارب فقلت له سوف أتصل بك بعد المغرب إن شاء الله، وكنت قد كتبت السؤال على الكمبيوتر فطبعته وقلت لنفسي لما أردده الأول بنفسي حتى أعرف أقوله للشيخ عندما أتصل به على التلفون المحمول، وفكرت لو قلت له أني قلت أطلقها أو تتطلق سوف يقول لك لم يقع، فقلت لنفسي قول له شيء آخر من باب الاحتياط حتى يعطيك فتوى تطمئنك قل له أنك قلت هي مطلقة أو تكون مطلقة وغالبا (يغلب على ظني) أنى نطقتهما مرة أو أكثر واحتمال ضعيف جدا أنى لم أقلهما أثناء التدريب على ما سأقوله للشيخ. ثم شككت هي مطلقة أو تكون مطلقة جملتان لا تعنيان أي شيء أي لو قلتهما له سوف يقول لا تعنيان أي شيء لذلك استقر بي الرأي على أنت طالق حتى أقولها له ونطقت بها على سبيل أنى سوف أقولها له ثم أدركت أنى بنطقي هذا احتمال يكون الطلاق وقع فعلا (لاحظ فضيلتك لم تكن الزوجة موجودة أبدا).
عندما اتصلت بالشيخ قال لي ما فعلته في الحالة الثانية هو صريح الطلاق وقبل الذهاب لإعطائها مؤخر الصداق سألت شيخا آخر فقال لي ما فعلته هو حكاية طلاق لا يقع بها طلاق، وإياك من الذهاب لعمل عقد جديد سيقع إذا ذهبت.
الآن رأيان مختلفان وفضيلتك تأخذ وقتا للرد على السؤال فحتى يصلني منك رد ذهبت لأساتذة الفقه الموثوق بعلمهم فوجدت اثنان في غرفة أعطيت السؤال الذي أجبت فضيلتك عليه واحد منهم فأعطاه للآخر لأنه قال له أنت درست حكايات الكفر وحكم النطق بألفاظها وقال له هل هذا حكاية طلاق أم لا فقال الحالة الأولى لا يقع طلاق أما الثانية طلاق صريح لا محالة فقلت له أني فعلت ذلك على أساس التدريب على ما سأقوله للشيخ فقال لي إن لم يكن هذا جد فهذا هو المذكور في الحديث وهزلهن جد تجلس بمفردك تردد هذه الألفاظ (هي مطلقة أو تكون مطلقة وفى الآخر تنطق بأنت طالق ولم تكن قد قلتهم أصلا للسيدة التي تتوسط) هذا هزل أوقع الطلاق فرد الأستاذ الدكتور الأول وقال لا بد من عقد جديد ومهر جديد وإلا ستظل حياتك كلها في شك فقلت له أهلها سيرفضون أو هي سترفض العودة فقال لي إذن لا خير فيها.
ثم سألت شيخين آخرين فقالا لي لم يقع طلاق.
بعد ذلك سألت أستاذ دكتور آخر فأدرك أن المشكلة هي الكلمة التي قالها لي الأستاذ الدكتور الكبير في السن والموثوق في علمه أنى سأجلس حياتي كلها في شك فحاول التفكير معي في مخرج شرعي من هذه الورطة فقال لي أحضر المرأة واثنان شهود وقل لها تتزوجينني فتقول لك قبلت فأعطها مبلغا رمزيا للمهر، وامش بها بعد ذلك ماسكا يدها في الشارع فذلك الإشهار. فقلت له هذا هو مذهب أبي حنيفة وهو مشكوك فيه إذا فعلت ذلك مباشرة تطلق المرأة وتزوج بشك أي رفعت شك بشك. ووليها سيعمل مشكلة لأنه ربما لا يقبل بذلك وستحدث مشاكل بسبب الحقوق المالية. سألني هل حدثت خلوة فقلت له لا. فقال لي ليس أمامي إلا أن أقول لك أن الرأيين اجتهاديان خذ برأي إن لم يحدث طلاق.
عندما عدت للمنزل تذكرت أنى جلست معها بمفردنا في الصالون في بيتها وقبلتها ومسكت صدرها إلا أنها رفضت تماما الجماع فقلت لو عملت بالمذهب الذي يقول هذه خلوة راجعتها لكن تذكرت أنى قلت أنت طالق مرة واحدة لكن هي مطلقة أو تكون مطلقة ممكن مرة أو أكثر لو عملت بهذا المذهب ستلحق بها كل هذه الكلمات وبالتالي ستكون محرمة تماما علي. إلا أني قلت راجعتها فعلت ذلك احتياطيا قبل أن تنتهي عدتها إذا كان لها عدة أصلا.
الآن يا شيخ هل يوجد مخرج لهذه الورطة. إن الأستاذ الدكتور الموثوق في علمه قال لي ستعيش حياتك في شك، وأنا منذ ذلك في حزن شديد ولا أقبل بذلك هل يوجد أي مخرج شرعي؟ هل أذهب إليه ثانية أحتج بفتواك حتى يغير كلامه، وإذا رفض أقول له أنت تتحمل إثم فراقها بفتواك وأتركها؟ وإذا تناقشت معه بالألفاظ الصريحة الموجودة في السؤال هل يقع طلاق هذه المرة أو كيف أن أتناقش معه بدون ذكر هذه الألفاظ الصريحة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أيها السائل الكريم – شرح الله صدرك ونوّر قلبك – أنك أتعبت نفسك وأضعت وقتك، وأدخلت الضيق والحرج على نفسك وزوجك وأصهارك، وأنت بفعلك هذا تضاد الشريعة المباركة التي جاءت باليسر والسهولة ورفع الحرج والمشقة عن الناس، قال سبحانه: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78}. والله عز وجل قد رفع الآصار والأغلال (وهي التكاليف الشاقة العسيرة ) التي كانت على الأمم السابقة ببعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ {الأعراف: 157} وأنت - عفا الله عنك - تأبى إلا أن تغل نفسك بالأغلال، وتحمل على عاتقك الآصار التي رفعها الله عن هذه الأمة المباركة، أرأيت أيها السائل كيف أنك تسعى في مخالفة الشريعة المباركة ومعارضة مقاصدها الشريفة من حيث تظن أنك تسعى لمتابعتها والتمسك بأوامرها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري وغيره: إن الدين يسر، و لا يشاد الدين أحد إلا غلبه.

جاء في فتح الباري: والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية، ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب، قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع. انتهى.

وقد علمت فيما قصه الله علينا من نبأ بني إسرائيل حينما قتلوا نفسا وذهبوا لنبي الله موسى ليحكم بينهم، فأمرهم الله سبحانه أن يذبحوا بقرة، ولو أنهم عمدوا من أول الأمر إلى أية بقرة فذبحوها لكان خيرا لهم وأقوم، ولاهتدوا إلى ما خفي عليهم من أمر القاتل بأيسر الوسائل وأسهلها، ولكنهم أبوا إلا التشديد على أنفسهم وكثرة الأسئلة فشدد الله عليهم الأمر.

وأنت – أيها السائل - لو كنت قد أخذت من أول الأمر بما أفتيناك به لكنت أرحت نفسك وزوجك، ولكنك تأبى إلا التشديد على نفسك، فلم تكلفك الشريعة بأن تستفتي المفتي ثم تأخذ فتواه تدور بها على مجالس أهل العلم تلتمس منهم إجماعا عليها، وإنما كلفتك الشريعة بأن تجتهد في البحث عن مفت أو جهة فتوى تثق في علم أصحابها ودينهم ثم تستفتيهم فما أفتوك به تعمل به، وينتهى الأمر عند هذا الحد. ونحن قد أفتيناك بما أفتيناك به. ونرى أن هذا هو الحق والصواب إن شاء الله فخذ به أو اتركه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني