الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حدود طاعة الأمير في السفر

السؤال

هل الذي يعصي الأمير في شيء وهو الذي يكون أميرا على مجموعة الدعوة الخارجة في سبيل الله، يكون أيضا عصى الله تعالى؟ وما هو حكم الأمير في الدين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم. رواه أبو داود، وحسنه النووي والألباني. وفي مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم .

فهل هذه الإمارة خاصة بالسفر. جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة): هذا كما هو ظاهر الحديث في السفر، أما الحضر فإن الإمارة تكون لمن ولي أمر البلد بولاية شرعية، وكل أمير بحسبه. انتهـى.

فإذا كانت هذه المجموعة الدعوية على سفر، فمن السنة أن يؤمروا أحدهم، ويطيعوه ما لم يأمر بمعصية.

قال الطحاوي في (مشكل الآثار): في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل الأمير الذي يؤمره الناس عليهم حيث يبعدون من أمرائهم، كأمرائهم عليهم في وجوب السمع منهم والطاعة له فيما يأمرهم به أمراؤهم إذا كانوا بحضرتهم. انتهى.

وقال ابن تيمية في (الاستقامة): بنو آدم لا يعيشون إلا باجتماع بعضهم مع بعض، وإذا اجتمع اثنان فصاعدا فلا بد أن يكون بينهما ائتمار بأمر وتناه عن أمر، ولهذا كان أقل الجماعة في الصلاة اثنين، كما قيل: الاثنان فما فوقهما جماعة. لكن لما كان ذلك اشتراكا في مجرد الصلاة حصل باثنين أحدهما إمام والآخر مأموم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وصاحبه: إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما. وكانا متقاربين في القراءة. وأما في الأمور العادية ففي السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لثلاثة يكونون في سفر إلا أمروا عليهم أحدهم. انتهـى.

وقد سبق في الفتوى رقم : 8470 أن المقصود من الإمارة في هذا الحديث معناها الحقيقي من الأمر والنهي، ووجوب الطاعة ما لم يكن الأمر بمعصية، فإذا كان بمعصية، فلا سمع ولا طاعة، ولا فرق في وجوب الطاعة - بالقيد المذكور - بين الإمارة الكبرى والإمارة الصغرى.

ويرى بعض أهل العلم أن هذه الطاعة متعلقة بمصالح السفر فحسب.

قال ابن عثيمين في (شرح رياض الصالحين): ظاهر الحديث أن هذا الأمير إذا رضوه وجبت طاعته فيما يتعلق بمصالح السفر؛ لأنه أمير، أما ما لا يتعلق بأمور السفر فلا تجب طاعته كالمسائل الخاصة بالإنسان انتهـى.

وقال الشيخ عبد المحسن العباد في (شرح سنن أبي داود): الإمارة هنا المقصود منها أن يعرفوا مرجعهم، لا أن هذه ولاية يترتب عليها أحكام كإقامة حدود وجلد وما إلى ذلك، فليس هذا من شأنهم، وليست هذه مهمتهم، وإنما مهمتهم ما يتعلق بأحوال السفر والارتحال والنزول. انتهـى.

ولا شك أن الطاعة في غير ما يتعلق بأمور السفر حتى وإن لم تكن واجبة، إلا أنها ضرورية في رفع الخلاف وحصول الائتلاف، الذي هو المقصود من هذا الحديث، قال البغوي في (شرح السنة): إنما أمر بذلك لأنهم إذا صدروا عن رأي واحد يكون ذلك أبعد من وقوع الاختلاف بينهم. انتهـى. وكذا قال الخطابي في (معالم السنن).

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني