الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يعفى من الدم من ترك واجبات الحج لعذر

السؤال

ذهبنا هذه السنة إلى الحج، وفي يوم التروية أخذنا الشيخ مباشرة إلى عرفات، وعند غروب شمس يوم عرفة ذهبنا إلى المزدلفة، وهناك صلينا المغرب والعشاء، وبعد قليل أمرناالشيخ بأن يذهب بعضنا إلى الفندق في شعب عامر، ويبقي بعضنا الآخر لرمي جمرة العقبة، لأنه يوجد معنا نساء كبيرات في السن، وبما أني مرافقة لأمي المسنة ذهبت معها إلى الفندق لأساعدها، ووكلت ابن أختي في رمي جمرة العقبة عني أنا وأمي، وبعدها رجعوا إلى الفندق وناموا فيه، ولم يأخذنا للمبيت في منى، لكن أنا وأمي وابن أختي سخر الله لنا جماعة بيتهم في منطقة الششة فذهبنا ونمنا هناك عندهم، ورمينا الجمرات ثاني وثالث ورابع أيام التشريق؟
فهل هذا التصرف من قبل هذا الشيخ الذي كان مسؤولا عنا من خلال تسجيلنا في حملته صحيح ؟ هذا مع العلم أنه ذكر في الورقة التي فيها الإعلان لمن يرغب بالتسجيل عنده أشياء كثيرة منها:مخيم متميز في عرفة ومنى، وأن الفندق مطل على الحرم، وكل هذا الأشياء غير موجودة، ما عدا المخيم في عرفة، وعندما اعترضت في أول يوم من وصولنا إلى مكة رد علي ردا غير لائق، وبعد انتهاء مناسك الحج طلب مني مسامحته لأنه أخطأ بحقي، وأنا فعلا سامحته. فما رأيك حضرة المستشار المحترم؟
حضرة المستشار المحترم
سبق أن أرسلت لكم فتوى وفي الأعلى نصها وكان ردك بأن علي دما .
فأنا أريد منك توضيحا بعد سرد النقاط التالية:
لماذا وجدت مكاتب للحج مرخصة لتولي الأمور؟ ويمكن أن يكون سبق لهم أن أدوا الحج في كل سنة، أي أن مناسك الحج معروفة من قبلهم، وإذا كانوا شيوخا- مثلا نحن كان معنا شيخان- فهل يعقل أن يفعلوا بالأفواج التي يأخذونها معهم وعلى مسؤوليتهم شيئا غير صحيح ؟ وشعارهم: أو كل لي حجك وتفرغ للعبادة، فكيف لا أطيعهم وهم على دراية بأمور الحج أكثر مني؟وخاصة أنهم في كل سنة يأخذون أفواجا، فهل من المعقول- وهم شيوخ- أن يأمرونا أن نركب الباصات لمغادرة مزدلفة في الساعة الحادية عشر ليلا وأقول لهم: لا، لابدأن أبقى؟، وكيف سأتصرف إذا تركوني؟ وهل من المعقول وقت أمرهم بركوب الباص وقولهم :النساء الكبيرات يوكلن من يرمي عنهن الجمرة أن أترك والدتي الكبيرة في السن والتي لا تستطيع أن تمشي إلا بمساعدة، والتي لا تعرف كيف تصعد للفندق؟ أأتركها للذهاب وحدها؟ أين البر بوالدتي؟
وإذاكان الشيخان أصرا على المبيت بالفندق ليالي التشريق، وذهبنا نحن إلى منطقة بإفادة شيخين لهم كلمتهم بأننا مقيمون في منى، فما ذنبنا نحن ؟ أخي- كثر الله خيره وجزاه خيرا-الموجود في بلد أجنبي أعطانا المال للحج، ونحن لا نملك مصاريف الحج فأراد أخي أن يبر أمه وأخته.
فهل إلى الآن علي دم؟ أنا برأيي لا أتحمل أي شي، لأننا برفقة شيوخ وهم ملزمون أمام الله بتأدية مناسك الحج على أصولها، وأن يراعوا الله في الأشخاص الذين ائتمنوهم وسجلوا عندهم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلمي أولا أن الواجب على كل مسلم أن يجتهد في تعلم أحكام الدين، وأن من الفروض العينية على كل مسلم أن يتعلم ما تتوقف صحة عبادته عليه، فكان يلزمك أن تتعلمي أحكام الحج قبل الشروع فيه لئلا تقعي فيما وقعت فيه من المخالفات.

ولا ينفعك تعليق خطئك على هؤلاء الشيوخ، فإنه لا تزر وازرة وزر أخري، وإن كان هذا لا يعفيهم من التبعة، ولذا فإننا نكثر من التنبيه على وجوب الاجتهاد في تعلم العلم الشرعي وألا يتلقى العلم إلا من أهله الراسخين فيه، وأما بخصوص ما أفتيناك به من لزوم الدم لكل واجب تركته من واجبات الحج فلا أثر لكونك معذورة في إسقاط الوجوب- لو سلمنا كونك كنت معذورة- وإنما يؤثر العذر في إسقاط الإثم عن المعذور، وذلك لأن الواجب إذا استقر في الذمة لم تبرأ الذمة منه إلا بفعله أو بفعل بدله .والدليل الذي وجب به الدم في ترك واجبات الحج يدل على عدم الفرق بين المعذور وغيره، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما: من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما. أخرجه مالك في الموطأ بسند صحيح ،ونص العلماء على أن المعذور وغيره سواء في لزوم الدم، قال في المبدع: ومن ترك واجبا ولو سهوا فعليه دم.

وبهذا تعلمين أن دم ترك الواجبات يلزمك بكل حال،ولكن إذا عجزت عنه فإنك تصومين عشرة أيام عند كثير من الفقهاء قياسا على من عجز عن دم التمتع.

قال ابن قدامة: ويقاس عليه أيضا كل دم وجب لترك واجب كدم القران، وترك الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، والمبيت بمزدلفة، والرمي، والمبيت ليالي منى بها، وطواف الوداع، فالواجب فيه ما استيسر من الهدي فإن لم يجد فصيام عشرة أيام .انتهى.

ورجح الشيخ العثيمين أن من عجز عن دم ترك الواجبات في الحج لم يلزمه شيء، لأن الأصل براءة الذمة فلا تشغل إلا بدليل واضح.

والقول الأول أحوط، وعلى هذا فإن عجزت عن ذبح الدم فعليك صوم عشرة أيام عن كل واجب تركته، كما بينا لك في الفتوى السابقة.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني