الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يطالب الواعد بتنفيذ الوعد أو بتعويض الضرر

السؤال

تحقق لي مبلغ معين من المال عند أحد الأشخاص (س) نتيجة عمل تجاري، وعندما تبين أن (س) يتهرب ويمتنع عن دفع المبلغ أعلمت أحد الأشخاص ( ص ) في سياق كلام عادي أنني سوف أتوجه لأحد كبار عائلة ( س ) للشكوى وضمان حقوقي فقال لي (ص): أرجوك أن لا تذهب فأنا لي أصدقاء مثل إخوة لي وأكثر من عائلة (س) وأنا كنت قد أعلمتهم بالموضوع ووعدوني بأنهم سوف يعالجون الموضوع ويحصّلون المبلغ. أخذت أتابع الموضوع مع (ص) وفي أحد الأيام أبلغني (ص) أنه تم حل الموضوع، وأنه تم الاتفاق على إحضار قسم من المبلغ نقدا، والباقي بشيكات آخرها يستحق في 01/2007، وذلك غدا (في اليوم التالي). لم أستلم لا المبلغ النقدي ولا الشيكات، لا في اليوم التالي ولا في الأيام اللاحقة، وكان (ص) يبلغني أن أصدقاءه استلموا المبلغ والشيكات، ولكنه مشغول عن الذهاب لاستلامهم. وبعد بضعة أيام ألححت عليه لإحضار المبلغ والشيكات، فإذا به يسلمني نصف المبلغ النقدي المتفق عليه، وعند استفساري عن سبب ذلك أجاب: إن هذا المبلغ من جيبي الخاص لأن أصدقائي خائنين وكذبوا عليّ واستلموا المبلغ وصرفوه، فقلت لـ (ص) إنني سوف أتوجه لكبير عائلة (س) وأعرض عليه الموضوع فمنعني ورجاني ألاّ أفعل وتعهد بأنه هو المسؤول عن المبلغ، وتعهد بأن يدفع المبلغ منه شخصيا ومع مرور الوقت كنت أعرض على (ص) مرارا وتكرارا أنني لن أقبل أن ألاحقه وأطالبه هو بالمبلغ المستحق على (س) وأن أتوجه لكبار عائلة (س) إلا أنه في كل مرة يتعهد ويقسم بأنه سوف يسدد المبلغ كاملا منه ويرجوني أن لا أتوجه لأحد. وكان بيني وبين (ص) حساب تجاري خاص، وكان قد أعطاني بقيمة المستحق عليه شيكات إلاّ أنه طلب عدم صرفها من البنك بحجة أنه سوف يدفع لي نقدا قيمة كل شيك حال استحقاقه، وفي إحدى الجلسات معه وجدت أنه سجل في دفاتره مبالغ دفعها لي على أنها دفعات من (س) أما أنا فكنت قد سجلتها على أنها دفعات من (ص) ولمّا سألته قال: مش مهم كلّه علي وأنا أريد أدفعه و(هاي داني وهاي داني). وفي جلسة أخرى كررت عليه أنني سوف ألاحق (س) وأنه غير معقول أن ألاحقه هو وكيف لي أن أتصرف إن هو تخلف عن الدفع عن (س) أو تراجع فكرر تعهده بالدفع وقال لي: (لن أتراجع وهذه شيكاتي معك إن لم ألتزم استعملها وأنا لن أضطرك لاستعمالها). وبعد مرور فترة توقف عن الدفع سواء عن الحساب الخاص به أو الخاص بـ (س) وتكررت مطالبتي له دون فائدة وأخذ يماطل ويراوغ بشكل واضح فساءت العلاقة بيننا، وبعد مرور أكثر من سنة قدمت للمحكمة أحد شيكاته وقيمته تساوي مجموع المستحق عليه وعلى (س) فصدر أمر بحبسه فقدم شكوى ضدي موضوعها (إساءة ائتمان) وأخذ يدعي بأنه لم يتعهد بدفع المستحق على (س) وأنه ليس ملزما بذلك كما أخذ يدعي بأنه سدّد ما عليه في الحساب الخاص به وهذا غير صحيح. ونتيجة تدخل أطراف عديدة وافقت على عدم حبسه وتم تسديد ملفه في التنفيذ كما أسقط هو الشكوى التي رفعها على أن يتم حلّ الموضوع خارج المحكمة والنيابة برعاية المحامي الخاص بي و(وكيل النيابة) بعد عدّة جلسات (وبناء على رغبة ص) قرر المجتمعون وبينهم أحد رجال الدين أنه إن أنا حلفت يمين آخذ المبلغ حيث قام رجل الدين بالاتصال بـ (ص) وسأله: هل تريد أن تحلف اليمين أنت أم الطرف الثاني (أنا) فطلب منه (ص) أن أحلف أنا اليمين، فقلت إذا كان اليمين عليّ حسب القاعدة الشرعية والقانونية المعروفة فأنا أحلف على صحة روايتي وأنا صادق ثم بعدها تقررون ما إذا كنت أستحق المبلغ أم لا، فرفضوا وأصرّوا على حلف يمين بصيغة يكتبها (ص) وقد جاء فيه: (أقسم بالله العليّ العظيم رب العرش العظيم غير... ولا حانث أن (ص) تعهد لي بأن يدفع لي المال المستحق لي بذمة (س) منه، وأن ادعاء (ص) بأنه تدخل بيني وبين (س) كرجل إصلاح ومعينا لي في تحصيل مالي من (س) هو غير صحيح، وأنني لم أسمع تعهدات (ص) بالدفع لي لم تكن بناء على وعود الآخرين)
وقد ناقشت المجتمعين بأن (ص) ربما يكون في البداية تدخل كمصلح، ولكن دوره اختلف وانقلب في مرحلة معينة واستمر بعدها كمتعهد وملتزم، ففسّر المجتمعون ذلك شفهيا بأنه يدعي اليوم أنه تدخل وما زال كرجل إصلاح وقالوا إن لم تحلف اليمين فليس لك شيء. وقد حلفت اليمين بالصيغة المذكورة أعلاه ( قام المحامي بتمزيق الورقة بعد حلف اليمين) إنني أشعر بالضيق بعد حلف اليمين، وقد انقسم رجال الدين الذين طرحت عليهم المسألة قبل وبعد اليمين إلى فريقين ( فريق يقول أن من حقي مطالبة (ص) بالمبلغ الذي تعهد بدفعه عن (س) وأن حلفي لليمين أثاب عليه، وفريق آخر يقول أن التزام (ص) وتعهده لي هو معنوي ولا يحق لي أخذ المستحق لي على (س) منه. وأن حلف اليمين بالصيغة المذكورة حرام. وسؤالي: هل أنا محق في مطالبة (ص) للوفاء بعهوده بالدفع عن (س)، وهل أخطأت في حلف اليمين بصيغته المذكورة، وما حكم ذلك.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننبهك أولاً أن الذي يفصل في مسائل النزاع هو القاضي الشرعي، أو من يقوم بالتحكيم الشرعي، وذلك لأن مسائل النزاع لا بد فيها من سماع الخصمين، وقد يُحتاج إلى الاستفصال منهما بخصوص نزاعهما.

والذي يظهر أن (ص) قد تعهد لك بسداد الديون المستحقة لك، وهذا التعهد الظاهر أنه على سبيل الكفالة فيلزم هذا الشخص أن يقوم بسداد هذه الديون.

قال ابن قدامة في المغني: قال -يعني الخرقي -: (ومن ضمن عنه حق بعد وجوبه، أو قال: ما أعطيته فهو علي. فقد لزمه ما صح أنه أعطاه ) .. والأصل في جوازه الضمان الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقول الله تعالى : { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } . وقال ابن عباس : الزعيم الكفيل . وأما السنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { الزعيم غارم } رواه أبو داود والترمذي. وقال : حديث حسن. وأجمع المسلمون على جواز الضمان في الجملة . اهـ . ثم قال : الضمان إذا صح لزم الضامن أداء ما ضمنه، وكان للمضمون له مطالبته. ولا نعلم في هذا خلافا. وهو فائدة الضمان، وقد دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : { والزعيم غارم } . واشتقاق اللفظ . انتهـى .

وإن سلمنا أن تعهد (ص) كان على سبيل الوعد فيجب عليه الوفاء به، فإن من وعد آخر فدخل الموعود بسبب الوعد في ورطة أو عمل ونحو ذلك فهو ملزم بالوفاء بالوعد إلا من عذر، وفي حالة عدم الوفاء بدون عذر يطالب الواعد إما بتنفيذ الوعد أو بتعويض الضرر الواقع فعلا بسبب عدم الوفاء بالوعد، وهذا القول هو المشهور عند المالكية، ورجحه كثير من الباحثين المعاصرين، وصدر به قرار للمجمع الفقهي، وقد تقدم بيان ذلك في فتوانا رقم: 117916 .

وعلى هذا فلا نرى حرجاً فيما قمت به من حلف اليمين ومطالبة (ص) للوفاء بعهوده في الدفع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني